د.شريف بن محمد الأتربي
يومًا بعد يوم تتغير احتياجات سوق العمل، إما نتيجة التطور السريع في المعلومات والمعارف، أو نتيجة التطور التقني المتسارع، وكذلك نتيجة للظروف الخارجية التي يمكن أن تؤثر على سوق العمل، ومن أبرزها وأقربها انتشار فيروس كوفيد19 وما ترتب عليه من تغير كامل في نمط الحياة وصل إلى 100 % في بعض المجالات، مثل: التعليم، أو بنسب متفاوتة في مجالات أخرى، مثل: التسويق والمبيعات.
وخلال السنوات الماضية عملت الكثير من الحكومات على تغيير نظم التعليم بها؛ لتتفق مع الاحتياجات المستقبلية لسوق العمل، فاستحدثت مواد ومسارات تعليمية جديدة، وألغت مواد ومسارات أخرى، كما تم تطوير البعض الآخر، وقد تعددت هذه التغييرات على فترات زمنية قصيرة رغم ما يتسم به مجال التعليم من ثبات نسبي، والتفكير العميق لفترة طويلة قبل إحداث أي تغيير في النظام.
وتلعب الجمعيات المهنية دورا كبيرا في تحديد متطلبات سوق العمل وضمان فرص العمل لمنسوبيها من خريجي الجامعات التابعة لها. وقد تم تعريف هذه الجمعيات بأنها: جمعيات تعنى برعاية مصالح أصحاب المهنة الواحدة وبالشؤون الفكرية والثقافية والأدبية، وتضم أصحاب المهنة الواحدة كالمهندسين، والأطباء، والاجتماعيين، والاقتصاديين، والمحاسبين.. الخ من ذوي التخصص العلمي الواحد، وتسعى إلى الإسهام في خدمة المجتمع من خلال استثمار كفاءات وخبرات أعضائها، فضلاً عن السعي للارتقاء بمستواهم المهني والثقافي.
وفي المملكة العربية السعودية أصدر مجلس شؤون الجامعات برئاسة معالي وزير التعليم الدكتور حمد بن محمد آل الشيخ عدداً من القرارات التطويرية للجامعات؛ لمواكبة التطلعات المستقبلية وتلبية الاحتياج الوطني؛ بهدف رفع كفاءة مخرجات وأداء منظومة التعليم الجامعي بالمملكة، بما يتواءم مع أفضل الممارسات العالمية للمؤسسات الجامعية.
وتضمَّنت قرارات مجلس شؤون الجامعات، رفع القبول إلى ضِعْفِ ما كان عليه عام 2020م في الكليات النوعية (الصحية، والهندسية، والتقنية، والتطبيقية، وإدارة الأعمال) وفقاً للطاقة الاستيعابية لتلك الكليات، وبما يحسِّن من مخرجات العملية التعليمية، ويسهم في سد احتياجات سوق العمل، وتخفيض القبول بنسبة لا تقل عن (50 %)، في التخصصات غير المتوائِمة مع سوق العمل مع زيادة استيعاب الطلاب والطالبات في الكليات النوعية، على أن يعمل بهذا القرار لمدة خمس سنوات، ويتم تقييم تطبيقه بعد مرور ثلاث سنوات، وتقوم اللجنة الإشرافية برئاسة معالي النائب للجامعات والبحث والابتكار بمتابعة تنفيذ القرار.
كما أصدر المجلس قرارا بتوسع الجامعات في تطبيق الشهادات الاحترافية والمهنية لجميع التخصصات؛ لرفع المستوى المهاري للطلاب والطالبات في الجامعات، بما ينعكس على إعدادهم لسوق العمل بشكل احترافي وأكثر كفاءة وفاعلية والرفع من مستوى تنافسية الطلاب والطالبات محلياً وعالمياً وتقوم كل جامعة بإضافة مؤشرات الشهادات الاحترافية والمهنية إلى التقرير السنوي للجامعة.
إضافة الى ذلك قيام الجامعات بقياس نسبة توظيف خريجيها لكل تخصص، وكذلك نسبة توظيف الخريجين بدوام جزئي ودوام كامل، ونسبة الخريجين الذين جرى توظيفهم في مجال دراستهم، ومتوسط الراتب الأساسي والإجمالي الشهري للخريجين العاملين على أن يتم تضمينها في التقرير نصف السنوي، ويُنشر على موقع الجامعة؛ مما يعطي مؤشرات على أهمية التنافس بين الجامعات للمواءَمة بين برامجها الأكاديمية ومتطلبات واحتياجات سوق العمل المحلي والدولي.
وتعد كل هذه القرارات نقطة فاصلة في سياسة تحديث سوق العمل في المملكة، وبما يتفق مع الاحتياجات المستقبلية، وبما يسهم كذلك في تحقيق (رؤية المملكة 2030).
وفي هذا الخضم لا يمكن أن ننسى دور الجمعيات المهنية في المملكة- وهي كثيرة ولله الحمد- سواء في تحديد عدد المنضمين لها سنويا من الخريجين الجدد، وكذلك العاملين والمتعطلين عن العمل في التخصص، ومن خلال هذه الإحصائيات؛ وبالتعاون مع الأقسام والكليات المعنية يمكن تحديد اتجاهات سوق العمل الأصيلة والبديلة لكل تخصص.
وهناك نقطة أخرى في غاية الأهمية أود الإشارة إليها، وهي تتعلق بقرار تخفيض القبول بنسبة 50 % في التخصصات غير المتوائِمة مع سوق العمل، والسؤال المطروح هو كيف تم تحديد هذه النسبة؟، ولماذا لا يتم التخفيض تدريجيا؟ خاصة مع التوجه نحو توطين كافة وظائف قطاع التعليم.