جانبي فروقة
ذكر المؤلف الصيني صن تزو في كتابه «فن الحرب» (والذي تم تأليفه سنة 500 قبل الميلاد) «إن خوض 100 معركة والانتصار فيها جميعا ليس هو قمة المهارة وإنما يكمن التفوق الأعظم في إخضاع العدو دون قتال».
واليوم لم يستطع الروس حسم المعركة في أوكرانيا نتيجة المقاومة الأوكرانية المدعومة والممولة من الغرب وبالمقابل لم تثن العقوبات الاقتصادية الغربية الروس لوضع حد للقتال، يبدو أن روسيا كانت قد أعدت نفسها جيدا، فمنذ شهر فبراير الماضي وحزم العقوبات غير المسبوقة تضرب روسيا ورغم تراجع الروبل في الأسابيع الأولى وانسحاب مئات الشركات الأجنبية فالروبل استعاد مكاسبه ويعد الآن أقوى عملة أداء في العالم بفضل الإستراتيجبات الروسية والاحتياطيات الضخمة من العملات كما استطاع الروس إعادة فتح العديد من الشركات التي كانت تحت إدارة أجنبية مثل مكدونالدز وعائدات روسيا من الطاقة سجلت أرقاما قياسية ورغم أن الولايات المتحدة الأمريكية مع حلفائها تبشر بأن الاقتصاد الروسي سيعاني فالعقوبات حتى الآن غير مجدية وصداع التضخم أصاب شرايين الاقتصاد في معظم الدول مع ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء عالميا وغاصت أوروبا في بؤس سياسي استطاعت إدارة بايدن من توظيفه بنجاح في قيادة الأوروبيين وتوحيد صفهم تجاه العدو الأوحد للناتو «روسيا» وخلع صفة شريك اقتصادي مع روسيا وبدء الترحيب بأعضاء جدد في الناتو مثل فنلدة والسويد وكما قام كل أعضاء حلف الناتو برفع ميزانيات الدفاع.
لم تطل العقوبات الأمريكية والأوروبية شركة روساتوم التي يسيطر عليها الكرملين وما زالت مشاريعها ماضية في بناء المحطات النووية في مصر والمجر وميانمار وقيمة عقد المفاعل المصري وصلت إلى 30 مليار دولار.
إن فاتورة الحرب الروسية - الأوكرانية عالية والحكومة الأوكرانية تقول إن المئات من جنودها يقتلون يوميا والآلاف من المدنيين تم قتلهم مع استيلاء روسيا على أراض في شرق أوكرانيا والمؤكد أن الروس والأوكرانيين لا يريدون الدخول في محادثات سلام جادة حتى يحقق أحدهم مكاسب أكبر على الأرض تقوي موقفه على طاولة المفاوضات. علقت مؤخرا إلينا ريباكوفا (نائبة كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي) على العقوبات الغربية على روسيا قائلة: «عاد النظام المالي الروسي إلى العمل كالمعتاد بعد أسابيع قليلة من التدفقات المصرفية القوية، وأضافت أن أولئك الذين اعتقدوا أن قطع روسيا عن التمويل لأسابيع قليلة في بداية الحرب ستوقف الحرب أثبتت سذاجتها».
كم أنه من الملاحظ أن روسيا اتبعت سياسة إستراتيجية المحيط الأزرق المعروفة في عالم الأعمال والتي تركز على إيجاد وتطوير أسواق جديدة ولا سيما مع الهند والصين وإفريقيا للهروب إلى الأمام من العقوبات.
ومن النجاحات الحالية التي حققها الروس وشكلت اختراقا للعقوبات وبوساطة تركية وبرعاية أممية هي توقيع اتفاقية تصدير الحبوب مع أوكرانيا، وكما أوضح وزير الخارجية الروسي لافروف أن اتفاق اسطبول سيضمن رفع العقوبات الغربية عن السلع الغذائية والأسمدة الروسية وسيسمح بتصديرها إلى الأسواق العالمية وطبعا لاقى هذا الاتفاق ترحيبا عالميا لمساهمته الإيجابية في تخفيف حدة الأزمة الغذائية في العالم.
علق جيرادر ديبيبو (و هو زميل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية وضابط استخبارات أمريكي كبير سابق في القضايا الاقتصادية) قائلا: «أعتقد وبشكل عام أننا وصلنا إلى الحدود السياسية للعقوبات على روسيا وربما لا تكون العقوبات الجديدة ضرورية وهي بالتأكيد ليست كافية لتحقيق نهاية مقبولة للصراع لكن الانتصارات الأوكرانية في ساحة المعركة ربما تكون ضرورية وكافية ويجب أن تكون محور سياسة الولايات المتحدة الأمريكية».
ومن وجهة نظر مختلفة نسمع تعليق جوزيب بوريل (الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ونائب رئيس المفوضية الأوروبية) قائلا: «توضح الحرب في أوكرانيا أنه على عكس ما اعتقده الكثيرون بسذاجة قبل بضع سنوات فقط، فإن الترابط الاقتصادي لا يضمن تلقائيًا علاقات دولية سلمية.
لهذا السبب يجب أن تصبح أوروبا قوة حقيقية ، كما كنت أدعو إليها منذ بداية ولايتي. في مواجهة غزو أوكرانيا، انتقلنا من المناظرات إلى الإجراءات الملموسة، حيث أظهرنا أنه عند الاستفزاز، يمكن لأوروبا الرد. نظرًا لأننا لا نريد الدخول في حرب مع روسيا، فإن العقوبات الاقتصادية ودعم أوكرانيا هما في صميم هذا الرد. وبدأت عقوباتنا تؤتي ثمارها وستحدث المزيد في الأشهر القادمة.
مع بدء تزويد الأمريكان الأوكرانيين بنظام HIMARS الصاروخي الذي يهدف إلى مساعدة أوكرانيا على الصمود في وجه الحشد الهائل للقوات الروسية في الشرق. يبدو السيناريو الأرجح للحرب هو تحولها لحرب استنزاف مع هيمنة الروس على الشرق الأوكراني ومع عدم القدرة للذهاب أبعد من ذلك ومتابعة المقاومة الأوكرانية الشرسة واستمرار الصراع الطاحن لأمد طويل يطيل من حالة البؤس السياسي الأوروبي.
يقول الباحثون إن سبب مهارة الصيد المذهلة لدى الفهد لا تعود إلى سرعته بل إلى قدرته على الإبطاء بسرعة تجعله صيادا مخيفا، فهل سيكون بوتين هو الصياد المخيف في أوروبا؟