فعل الخير عمل نبيل وأجرٌ عظيم، يتساوى فيه الرجال والنساء، وقد دوَّن التاريخ لكثير من الرموز النسائية أعمالهن الخيرية عبر التاريخ، وقد تتجاوز المرأة بأفعالها الخيرية بعض الرجال خاصةً بالتطوع في جوانب الحياة المتعلقة ببنات جنسها واحتياجاتهن، إضافةً إلى عموم فعل الخير بين الرجال والنساء بالوقف والعطاء، أو بالتعليم والتربية، أو بتفقُّد أحوال اليتامى والمحتاجين والفقراء المساكين وما شابه ذلك.
وكانت بلدة الشنانة كغيرها من البلدات تزخر بنساء العطاء والتطوع وأعمال الخير، ولكن قصور التدوين وعدم اهتمام الأجيال اللاحقة بالكتابة عن ذويهم من الأجيال السابقة لا يزال يُشكِّل عائقاً عن الوفاء بحق النساء والرجال على حدٍّ سواء. علماً بأن الكتابة عن تراجم نسائية يكشف عن حجم التحدي أكثر في التدوين التاريخي. ولعل من تجاوز هذه التحديات الحصول على بعض المعلومات عن بعض النسوة اللاتي لهن لمسات في الخير والعطاء، ولهن مكانة واعتبار في أسرهن أو بلداتهن، ومن هؤلاء: نورة بنت سليمان السلومي، التي كانت تلقب بـ(السلومية) نسبةً لعائلتها ولتميزها القيادي القوي في أسرتها.
وهي نورة بنت سليمان بن ناصر السلومي، المولودة بتاريخ 1-7-1338هـ، وتُعدُّ عائلتها السلومي من العوائل التي قدمت من أُشيقر إلى الشنانة أواخر القرن الثاني عشر للهجرة قُبيْل عام 1200هـ، وهم من المشارفة الوهبة من بني تميم، وكان من جداتها الجبعا التي نُسب إليها واحدٌ من شغايا (مسيل) معروف بالشنانة، كما كان من جداتها القدامى مريم بنت ناوي الهويشان التي تزوجت من خليفة العبدالله جد الحسحوس من عائلة الخليفة، وكان ناوي ممن استُشهِد بالشنانة عام 1230هـ زمن حصار طوسون باشا للبلدة.
جهودها في العطاء والإنتاج
* مما يُعدُّ من إنتاجيتها الإيجابية أنها صنعت لنفسها مهنة تستغني بها عن الآخرين، فاشتغلت بعمل البهارات، وتفننت بها وبإنتاجها وبيعها، وكانت تتصدق بكل عوائدها مع ما يأتي لها من هدايا وأُعطيات من الأقارب والأرحام تعاطفاً معها بعدم وجود أولادٍ لها، وكان عطاؤها بكل ما تملك فلم تكن تدخر شيئاً لنفسها حتى قيل عنها: «اللي بيدها ما هو لها»؛ إذ كانت تتصدق على المحتاجين في قريتها، كما تنقل بعض صدقاتها وما لديها من مال إلى مكة حينما كانت تذهب إلى الحرم المكي معتمرةً ومعتكفة طيلة شهر رمضان، وذلك حينما كانت تصوم رمضان وتعتكف جزءاً منه، خصوصاً في العشر الأواخر بالمسجد الحرام بمكة المكرمة.
* ومن صور العطاء والزهد بالدنيا أن تنازلت عن نصيبها من إرث زوجها الثاني بطاح الخزي -رحمهما الله- فلم تكن تعيش لنفسها أو لمالها بقدر ما كانت تعيش هاجس الخير للغير والعطاء للمحتاجين، ولعل من حُسن نيتها أن قام ورثتها المخلصون لها بعد موتها ببيع بيتها المتواضع والتصدق بقيمته في بناء مسجد باسمها ولها، وذلك وفاءً بحقها ولاسيما أنها قد حُرمت من الذرية وقد عوضها ربي خيراً بعائلتها الوفية معها.
* ومن أعمالها التعاونية مشاركاتها الفاعلة في حملة الحج السنوية التي يديرها أخوها الشيخ عبدالله بن سليمان السلومي، حيث كانت السلومية هي المشرفة على الجانب النسائي من حيث التنظيم والترتيب والتنسيق على أداء مناسك الحج بين النساء والرجال، وكانت تلقب «أميرة الحملة» لما تتمتع به من صفات القيادة والشخصية القوية المتميزة، وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ» [المعجم الأوسط للطبراني:6026]، فكيف حينما تجتمع الخدمة مع الحج، ويرتبط التعاون بالمساعدة في حملات الحج حينما كانت بصحبة أخيها على مدى أربعين عاماً تقريباً، وغالباً ما تكون الحملة نصفها من النساء، حوالي أربعين إلى خمسين امرأة؛ وهو ما يتطلب إدارة شؤونهن، خاصةً أن كثيراً منهن يكون حجها لأول مرة وهو ما يتطلب التوجيه والإرشاد والتنظيم.
* وكانت السلومية قد عُرفت بأنها تَألف وتُؤلف وتَعطِف على الآخرين ويَعطِفون عليها، ومن ذلك اهتمامها بأولاد إخوانها وما فيهم من تعويض نفسي لها من فقدان الذرية، وذلك حينما كانوا يدرسون بالمدرسة الابتدائية بقرية البلاعية ويقضون عندها فترةً ما يُسمى (الفُسحة المدرسية) بعناية تربوية ورعاية غذائية، جلبت لها ولهم السعادة، وأسهمت بتفوقهم الدراسي.
* ومن الأعمال اليسيرة في الجهد والعظيمة في الأجر -بإذن الله- أنها كانت تعتني وترفق بمجموعة من القطط يلازمون بيتها، وكانت تحث جميع من تعرفهم على حفظ الطعام واللحوم وإرسالها إليها، لدرجة حفظها وتجميدها، ثم تقسيطها على القطط على مدى الأيام والشهور لإطعام عدد كبير من القطط أمام منزلها وداخله بشكل يومي في مشهد فطري إنساني نبيل يفوق ما يُزاود به بعض الإعلام الغربي عن بعض أحداث الرفق بالحيوان! وهذا في الإسلام من العبادات والتقرب إلى الله بحقوق الإنسان والحيوان كما ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ ففي الحديث الذي رواه أبو هُريرةَ أنَّ رسولَ اللهِ قال: «بيْنَما رَجُلٌ يَمْشِي بطَرِيقٍ اشْتَدَّ عليه العَطَشُ، فَوَجَدَ بئْرًا، فَنَزَلَ فيها فَشَرِبَ، ثُمَّ خَرَجَ فإذا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فقالَ الرَّجُلُ لقَدْ بَلَغَ هذا الكَلْبَ مِنَ العَطَشِ مِثْلُ الذي كانَ بَلَغَ مِنِّي، فَنَزَلَ البِئْرَ فَمَلأَ خُفَّهُ ماءً، ثُمَّ أمْسَكَهُ بفِيهِ حتَّى رَقِيَ فَسَقَى الكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّه له فَغَفَرَ له قالوا: يا رَسولَ اللهِ، وإنَّ لنا في هذِه البَهائِمِ لأَجْرًا؟ فقالَ: في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أجْرٌ».
وقد مرضت السلومية في آخر حياتها -رحمها الله- وذلك على مدى سنتين أو ثلاث، وتولى رعايتها ابنة أختها فاطمة بنت محمد الشهري، وقامت بها خير قيام -حفظها الله ورعاها-، وكانت قد وافتها المنية في عام 1428هـ -رحمها الله-.