فضل بن سعد البوعينين
أكدت قمتا جدة السعودية الأمريكية، والأمريكية الخليجية العربية، على أهمية الإعلام عموماً، والإعلام الخارجي على وجه الخصوص، وقدرته على تصحيح الأفكار الخاطئة، ومواجهة الحملات الموجهة، والدفاع عن المملكة بأسلوب حضاري ورسائل إعلامية عميقة تؤثر في الرأي العام وتصحح مفاهيمه الخاطئة.
نجح الإعلام السعودي، العام والخاص، في فرض مجريات القمتين على الفضاء العربي، وأسهم في إسكات منابر النشاز التي تستهدف المملكة، وتقاتل من أجل التشويش على منجزاتها السياسية والاقتصادية والتنموية، وتمكن من الرد العملي على تخرصات أعداء الأمة من سياسيين، وحزبيين، وإعلاميين مرتزقة.
ولكن ماذا عن مواجهة منظومة الإعلام الأمريكية، وإحداث التأثير الإيجابي في الرأي العام الغربي؟!. ما زلت أعتقد أننا في أمس الحاجة لمنظومة إعلام خارجي قادرة على التخاطب باحترافية مع الغرب، والتأثير في الرأي العام، ومواجهة الحملات الإعلامية الموجهة بمهنية عالية.
ملفات النفط، التغير المناخي، قضايا المرأة، الحقوق، والدين من الملفات التي يساء استغلالها بصورة بشعة لتحقيق أهداف استخباراتية محددة. فالولايات المتحدة الأمريكية من كبار منتجي النفط ومصدريه، وملوثي البيئة إلا أنها في منأى عن انتقاداتهم التي يوجهونها ضد دول النفط وفي مقدمها المملكة.
وبالرغم من الأضرار البيئية البالغة التي تتسبب بها الدول الصناعية، إلا أن بوصلة الإعلام الناقد توجه دائما ضد دول أوبك، وإن كانت الأقل تلويثا للبيئة والأكثر تبنيا للبرامج البيئية الفاعلة.
أما ملف حقوق الإنسان، فهو الملف الأكثر ظلما للدول والحكومات. تتجاهل دول الغرب، وفي مقدمها الولايات المتحدة، جرائمهم الإنسانية وحروبهم المدمرة، وقتل الأطفال والنساء، وتشريدهم لملايين البشر، وإسقاطهم الحكومات وإشعال الحروب الأهلية، ثم يتبنون قضايا فردية هامشية لمحاسبة دول وحكومات وشيطنتها عالمياً.
كشفت زيارة الرئيس جو بايدن حجم الاستهداف الإعلامي للمملكة، وتعبئة الرأي العام وإشغاله بقضايا هامشية إذا ما قورنت بأهمية الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية المشتركة. كما كشفت أيضاً عن قصور واضح في إعلامنا الخارجي وقدراته المهنية.
حاولت منظومة الإعلام الأمريكية إفشال الزيارة منذ الإعلان الرسمي عنها، وقاتلوا من أجل التقليل من أهمية مخرجاتها، والضغط على الرئيس بايدن لنقض بعض ما جاء في لقاءاته المشتركة، واستنطاقه لانتقاد المملكة والتأثير السلبي في مخرجات الزيارة.
إعلام موجه للتأثير السلبي في علاقات المملكة الاستراتيجية وتشويه منجزاتها والطعن في قيمها.
قصور إعلامنا الخارجي في التعامل مع الغرب عموماً وزيارة الرئيس بايدن وقمتي جدة، على وجه الخصوص، عالجه سمو وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان آل سعود ومعالي وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير، اللذان نجحا في مخاطبة الرأي العام الغربي باحترافية ومهنية عالية. نجح الوزيران في إيصال رؤية المملكة السياسية والاقتصادية والتنموية بلغة دبلوماسية راقية، والرد بذكاء على الاتهامات المختلقة، وتفنيد القضايا المطروحة بعقلانية، وحقائق دامغة. تبادل سمو الأمير ومعالي الوزير الأدوار الإعلامية، بتناغم وتكامل محقق للأهداف. وبالرغم من قساوة المحاورين وفجور منظومة الإعلام الأمريكية، التزم الوزيران الدبلوماسية في إجاباتهما، واللغة الهادئة الرصينة، والحجة الدامغة، وضرب الأمثلة والمقارنة بالاستشهاد مع أحداث أمريكية سابقة. شكل الوزيران خط دفاع أمام هجمات الإعلام الأمريكي غير النزيه، ما يؤكد أهمية دور وزارة الخارجية في بناء منظومة الإعلام الخارجي على أسس من الدبلوماسية والقوة الاحترافية. المملكة في أمس الحاجة لصناعة منظومة إعلام خارجي مؤثرة، والاستفادة من التجارب العالمية، والمقومات المتاحة لها، فالدور الكبير والمؤثر الذي تضطلع به محليا، إقليميا، ودوليا، يحتاج إلى منظومة إعلام خارجي قادرة على دعم الرؤى السياسية والتنموية، والدفاع عنها، ومواجهة حملات التشويه التي تقودها وسائل إعلام غربية موجهة.
النجاح الكبير الذي تحقق للإعلام السعودي عربيا، بشقيه العام والخاص، يحتاج إلى أن يعزز خارجيا بمنظومة إعلام قادرة على التعامل الفوري والمحترف والمستدام مع الرأي العام الغربي؛ ولتكون سندا للخارجية من جهة؛ ورأس حربة للمملكة في مواجهتها الإعلام الغربي بتوجهاته المختلفة، ووفق رؤية حديثة متوافقة مع متطلبات المرحلة، والتنوع الثقافي والإعلامي ومنصاته الرقمية والاحتياجات الوطنية.
لدى المملكة كفاءات شابة ومبتعثون تشربوا الفكر الغربي؛ فأصبحوا قادرين على مخاطبة الغرب بثقافتهم ولغتهم وأساليبهم الخاصة. وسفارات يمكن أن تشكِّل فيما بينها منظومة إعلامية متكاملة إذا ما أُحسن توجيه القائمين عليها، ومراكز رصد ومنصات تواصل كفؤة، وقاعدة عريضة من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي القادرين على مواجهة حملات التشويه وتفنيدها، وشراكات اقتصادية واستثمارية يمكن أن تسهم في تشكيل لوبيات مناصرة للمملكة. ولديها المال والفكر والخبراء والإرادة القوية الشابة التي يقودها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. مقومات قادرة على خلق منظومة إعلام خارجي كفؤة وداعمة لسياساتها وبرامجها، ولتكون خط الدفاع الأول عن المملكة وقادتها وقيمها ومقدراتها الوطنية.