لم تغب محافظة الحريق والمراكز والتابعة لها عن اهتمام الجهات المعنية بالآثار بالمملكة ممثلة بوكالة الآثار والمتاحف بوزارة المعارف سابقاً والهيئة العامة للسياحة والآثار ممثلة بقطاع الآثار والمتاحف كذلك سابقاً وحالياً بوزارة الثقافة ممثلة بهيئة التراث، من إجراء المسوحات التوثيقية خلال السنوات الماضية للمواقع الأثرية ومواقع النقوش والرسوم الصخرية بها. ومما شجعني على البحث عن تلك المسوحات التوثيقية الرسمية من تلك الجهات هو ما يناقش ويثار بالمجالس بين الحين والآخر عما تحتويه المحافظة والمراكز التابعة لها من آثار بمواقع متعددة وكذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي من إرسال صور وتحقيقات شخصية عن بعض المواقع الأثرية بالمحافظة التي في طرحها ومحتواها لا يشار فيها إلى المصدر الرسمي أو المرجع.
فمن الأهمية أن نتعرف على المسح ما هو؟
فهو: - عملية سريعة يمكن أن تشمل منطقة واسعة، تعطي فكرة تاريخية كافية تتضمن معلومات مفيدة عن المنطقة والمسوحات الأثرية تقسم إلى ستة أنواع (المسوحات الأثرية الأولية - المسوحات التي ترافقها استكشافات - مسوحات لتحليل منطقة محدودة جغرافيًا - مسوحات ترافقها تطبيقات لتقانات جديدة - مسوحات إنقاذية لمناطق مهددة بالزوال - مسوحات تقليدية وهو ما يعرف بالمسوحات الأولية عن طريق جمع اللقى الأثرية بعملية منظمة وممنهجة).
فالمسوحات الأثرية الأولية لمحافظة الحريق التي اطلعت عليها، التي نشرت بمجلة أطلال (حولية الآثار العربية السعودية) وهي مجلة رسمية متخصصة تصدر عن قطاع الآثار والمتاحف بالهيئة العامة للسياحة والآثار بالمملكة، وكانت النتائج المسوحات على النحو الآتي:-
1 - المسح الأول عام 1398هـ /1978م قامت به وكالة الآثار والمتاحف بوزارة المعارف ضمن أعمال المسوحات للمنطقة الوسطى ضمن برنامج المسح الأثري الشامل لأراضي المملكة العربية السعودية التي شملت وادي الدواسر والأفلاج وواحة الخرج خلال الفترة من 20-4 إلى 5-6-1398هـ بفريق عمل مكون من يوريس زارينس وآخرين إلا أن الملاحظ أن المسوحات لواحة الخرج دخل ضمنها مواقع بحوطة بني تميم ونعام ولمواقع محدودة جداً أعطيت أرقاماً ولم تحدد أماكنها بالاسم (212-79، 212-78، 212-77، 212-70) ونشرت النتائج بمجلة أطلال العدد الثالث 1399هـ /1979م. وأشارت إلى أن فريق المسح لاحظ عدداً من المواقع الإسلامية الغنية ومنها ما وجد بموقع بنعام الذي أُعطي الرقم (212-77) الذي يعتبر من المواقع الإسلامية الكبيرة المتميزة التي أثارت الاهتمام بمنشآتها المعمارية المبنية من اللبن وتميزها التي تحتوي على آثار إسلامية تتكون من أسوار، آبار مبطنة بالحجارة متينة البناء، مبانٍ، قنوات ري، حصون، وتم العثور فيها على مواد من الفخار والحجر الصابوني والرسوبي وقطع من الأواني البرتقالية والحمراء البسيطة مع بعض الكسر المصقولة الزرقاء. وأشارت المسوحات إلى أن الموقع ينتمي إلى مرحلة مبكرة من العصر الإسلامي وأن هناك تشابهاً في المعثورات لمثل ذلك بالحوطة. وأعتقد من وجهة نظري أن الموقع المعني هو مستوطنة الحسينية بمركز بنعام.
2 -المسح الثاني عام 1428هـ قامت فيه هيئة السياحة والآثار بتحديث معلومات المسوحات السابقة عن المواقع الأثرية بمحافظتي حوطة بني تميم والحريق وإضافة ما يستجد وكان فريق المسح برئاسة الدكتور/ عوض بن علي الزهراني مدير عام المتاحف بالهيئة العامة للسياحة والآثار ويعاونه مجموعة من المساحين، وتم المسح على فترتين، وبدأ الفريق أعمال المسح في الثامن والعشرين من شهر شوال من عام 1428هـ ولمده ثلاثين يوماً حيث تمكن الفريق من تسجيل ما يزيد على ستين موقعاً أثرياً دلت بعد فحصها ودراستها على أنها تمثل فترات تاريخية تشير إلى استمرار الاستيطان في المحافظتين منذ العصور الحجرية حتى العصور الإسلامية المتأخرة، وقد نشرت الهيئة العامة للسياحة والآثار تقريراً مبدئياً عن نتائج المسح وتوثيق المواقع الأثرية بالمحافظتين بالعدد الواحد والعشرين 1432هـ -2011م من مجلة أطلال (حولية الآثار العربية السعودية)، وكانت نتائج المسوحات بمحافظة الحريق على النحو الآتي:
فترة العصور الحجرية
هناك دلائل تشير إلى وجود تلك الفترة في محافظة الحريق إذ تلاحظ تلك المنشآت المعمارية التي تنسب إليها واضحة على قمم المرتفعات فتوجَد تلك المنشآت بأشكال مختلفة ومتنوعة فهناك المذيلات ذات الرأس البيضاوي تقريباً أو على شكل مثلث متساوي الساقين يتصل به ذيل طويل إما عادي أو مسنن ويقصد بالمسنن أن الذيل يتألف من عدة مثلثات وحول المذيل يوجد أحيانًا دائرة إما أن تكون أسطوانة قطرها حوالي 5-8م تقريباً وأكبر ارتفاع متبقٍ منها حوالي 1.5م وحولها ثلاث دوائر أو أكثر صغيرة لا يتعدى قطر الواحدة منها المتر الواحد ويختلف طول المذيل من مذيل إلى آخر إذ يتراوح طول تلك المذيلات ما بين 30-150 م كما لوحظ أيضاً وجود مبانٍ مستطيلة الشكل بالقرب من تلك المذيلات ومبنية بالأسلوب نفسه، ومادة البناء ربما تكون معاصرة لها. وقد يكون هناك مذيلات متعاكسة في اتجاهها وأحياناً توجد تلك المذيلات في جنبات الأودية أسفل المرتفعات.
الفترتان البرونزية وما قبل الإسلامية
لم تتوفر دلائل بحثية تشير إلى وجود هاتين الفترتين بمحافظة الحريق اللتين ربط وجودهما بالعثور على النقوش الثمودية.
الفترة الإسلامية
استمر الاستيطان خلال الفترة الإسلامية في محافظة الحريق منذ زمن مبكر حيث تم التعرف على موقع واحد يدل ما تبقى منه على استمرار الاستيطان وهو موقع الحسينية الذي يقع إلى الجنوب الشرقي من مركز نعام بالحريق على خط طول 062 40 46 ودائرة عرض 948 35 23 وارتفاع على سطح البحر 626م. ويتألف الموقع من تلال أثرية وأسوار تتخللها أبراج أسطوانية أو مربعة الشكل وآبار مطوية بالحجر وتدل المعثورات الأثرية التي عثر عليها في الموقع على أنها تعود إلى الفترة الإسلامية الوسطية وما بعدها.
الآبار
تعد أرض محافظة الحريق من الأماكن الزراعية نظراً لجودة تربتها وتوفر المياه فيها فقاموا بحفر الآبار التي تمتاز باتساع قطرها الذي يتراوح ما بين 5-10م تقريباً وهي من أسفلها منحوتة في الصخر ومطوية من أعلاها ولها لزاء (حوض) لتصريف الماء بعد استخراجه بواسطة السواني إلى البركة ثم عبر قنوات تنقل المياه إلى المزارع وإضافة إلى ذلك فهي تمتاز بأن منحاتين متظاهرتين تسير فيهما السواني.
القنوات المائية
عثر على أجزاء من قناة مائية في مركز نعام وتمتد بمسافات طويلة ومتقطعة تحاذي سفوح الجبال وهي قناة مبنية من الحجارة مرتفعة عن سطح الأرض عليها ملاط من الجص ويبدو أن هذه القناة كانت متصلة إلى محافظة حوطة بني تميم حيث عثر على أجزاء قليلة منها ومشابهة لها في وادي السوط تأتي من نعام لتصل إلى وادي السوط ثم إلى القصير (مستوطنة إسلامية قديمة).
الطرق (الدروب)
اهتم سكان محافظة الحريق بالطرق وقاموا بهندستها وشقها ورصفها بالحجارة وعمل الحواجز والجدران التي تساعد على تسويتها بحيث تصبح سهلة في مسلكها خصوصاً للقوافل التجارية التي يمكن أن تسلكها سواء كانت قادمة من مناطق أخرى ومحلية تقوم بتصدير واستيراد المواد التي يحتاجها السكان ويبدو أن السكان قاموا بتوفير خدمات العبور للقوافل التجارية بتأمينها من خلال أبراج المراقبة والرجوم المنتشرة على الجبال المحيطة أو بحفر الأحواض التي تجتمع فيها مياه الأمطار في بعض أوقات السنة ومن أهم الطرق الموجودة حتى الآن:
1 - درب عجلان بمركز نعام ويقع على خط طول 855 38 46 ودائرة عرض 146 37 23 وارتفاع عن سطح البحر 656م.
2 - درب هلال بمركز نعام ويقع على خط طول 184 37 46 ودائرة عرض 183 37 23 وارتفاع عن سطح البحر 640م.
3 - درب المخصص بمركز نعام ويقع على خط طول 854 45 46 ودائرة عرض 811 34 23 وارتفاع عن سطح البحر 612م.
ختاماً.. نتمنى من وزارة الثقافة ممثلة بهيئة التراث عند عودتها مستقبلاً لمحافظة الحريق لتحديث معلومات المواقع أن يعطى الفريق المزيد من الوقت للمسح وذلك لاتساع مساحتها الجغرافية ودراسة تاريخ المحافظة والمراكز التابعة لها جيداً ومقابلة الباحثين والمهتمين بتاريخها وما أُلف أو كُتب عنها وكذلك مقابلة كبار السن الذين لديهم الدراية والعلم. ومن المواقع التي أرى أنها تحتاج للمسح والتوثيق وقد يقود ذلك إلى إعادة النظر في تاريخ المحافظة ونذكر منها على سبيل المثال الآتي:
1 - بئر حنيظلة في الحريق التي تقع في الناحية الشمالية من الحريق وهي من موارد المياه الشهيرة التي يردها حاج اليمامة في طريقه لمكة المكرمة وهي بئر أثرية أشار لها المؤرخ والجغرافي ياقوت الحموي (ت 626هـ) وكذلك ذكرها الأصمعي.
2 - بقايا حامي أو سور بلدة الحريق القديم الذي يقع في الناحية الشمالية الغربية من المدينة الجديدة الذي أمر الأهالي ببنائه أمير الحريق (تركي بن عبد الله بن رشيد بن حمد الهزاني) عام 1253هـ استعداداً لصد الحملة التركية.
3 - المحافظة مليئة بالنقوش الثمودية ومعروف أماكنها لدى بعض الأهالي التي تمثل فترة تاريخية من تاريخ المحافظة وتدل على وجود الفترتين البرونزية وما قبل الإسلام.
4 - مسجد ابن عرار التاريخي بمركز نعام الذي يقدر عمره بأكثر من مئتي سنة الذي يمثل نموذجاً للعمارة التقليدية النجدية القديمة للمساجد.
5 - الأبراج والأسوار التي بنيت وما زالت موجودة على سفوح جبل طويق المطل على شعيب أم الوهط بمركز نعام التي أصبحت واضحة للقادم للمركز من ناحية طريق الحاير بالناحية الشمالية من نزلة نعام.
وأهدف من نشري نتائج تلك المسوحات إلى إطلاع الأهالي والباحثين والمرشدين السياحيين والمهتمين على نتائجها لتكون - إن شاء الله - مرجعاً لهم بعيداً عن الاجتهادات. كذلك نأمل من الأهالي بالمحافظة والمراكز التابعة لها الإبلاغ عن المواقع الأثرية. كذلك المشاركة مع هيئة التراث في المبادرة المجتمعية (نقوش السعودية) التي تهدف إلى إشراك أفراد المجتمع من مواطنين ومقيمين في اكتشاف النقوش والفنون الصخرية في مناطق المملكة.
المراجع:
- مجلة حولية، العدد الثالث 1399هـ/1979م والعدد الواحد والعشرون 1432هـ /2011م. (مجلة متخصصة سنوية من إصدارات قطاع الآثار والمتاحف بالهيئة العامة للسياحة والآثار وتُعنى بالدراسات والمسوحات ونتائج الحفريات والتنقيبات الأثرية التي يجريها قطاع الآثار والمتاحف في الهيئة. وتهدف حولية إلى نشر ثقافة الآثار والمتاحف في المملكة).
** **
محمد بن ناصر الجمعان - مدير متحف نفحات الماضي بمحافظة الحريق