خالد بن حمد المالك
لم يكن للمملكة ودول مجلس التعاون مصلحة في دخول أي منهم طرفًا في الحرب الروسية-الأوكرانية؛ فمصلحتهم تقتضي الحياد التام، والوقوف على مسافة واحدة من الطرفين، واستخدام هذا الحياد في العمل على تخفيف حدة التصعيد إذا ما كان لديهم القدرة التأثيرية على الدولتين، مع أن محاولات ربما تكون قد تمت لإقحامهم في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
* *
استُخدم موضوع النفط ضمن أسلحة هذه الحرب، وكانت هناك ضغوط على المملكة لزيادة إنتاجها من النفط؛ للحد من تأثير النفط الروسي على ارتفاع أسعار البترول ومشتقاته، غير أن المملكة لم تستجب، وظلت تؤكد على التزامها بقرارات الأوبك، وأنها لا تريد الإضرار بمصالحها ومصالح الآخرين.
* *
حاولت المملكة دعم الجهود الدولية لتخفيف حدة التوتر في هذه الحرب وتداعياتها، والحيلولة دون حدة التصعيد، والشروع في إجراءات التهدئة، بما يكفل عودة الاستقرار، ويفسح المجال أمام إجراء مباحثات، تفضي إلى حل سياسي للأزمة بين روسيا وأوكرانيا. وزادت على ذلك بتأكيدها على دعم كل ما يسهم في خفض حدة تصعيد الأزمة، واستعدادها لبذل جهود الوساطة مع كل الأطراف، إلى جانب دعم الجهود الدولية الرامية لحل الأزمة سياسيًّا.
* *
وضمن جهود المملكة في هذا الشأن، وتأكيدها على أن موقفها المحايد سوف يسمح لها بالتدخل بما يطفئ لهيب الحرب، فقد أجرى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان اتصالاً بالرئيس الروسي بوتين، واستعرض معه تطورات الأوضاع في أوكرانيا في ضوء العملية العسكرية الروسية. وأوضح الرئيس بوتين لسموه موقف روسيا فيما يتعلق بإجراء مفاوضات مع السلطات الأوكرانية، وحرصه على سلامة السكان المدنيين، وأن لها أولوية خلال تنفيذ العملية العسكرية الروسية، التي تهدف إلى نزع سلاح الدولة الأوكرانية ونازيتها.
* *
ومثل ذلك، وضمن جهود سمو ولي العهد في نزع فتيل هذه الحرب، وتوظيف إمكانات المملكة وعلاقاتها المتميزة، وحرصها على استتباب السلام في العالم، فقد أجرى سموه اتصالاً بالرئيس الأوكراني، وبحث معه الأزمة في أوكرانيا مؤكدًا على دعم المملكة بكل ما يسهم في خفض حدة تصعيد الأزمة، وأن المملكة مستعدة لبذل جهود الوساطة بين كل الأطراف، ودعمها الجهود الدولية الرامية لحل الأزمة سياسيًّا. وزاد على ذلك بأن المملكة من منطلق اعتبارات إنسانية ستمدِّد تأشيرات الزائرين والسياح والمقيمين الأوكرانيين بالمملكة، مع حرصها على راحتهم وسلامتهم.
* *
وجاء موقف دول مجلس التعاون من الحرب الروسية-الأوكرانية من خلال البيان الذي أصدره المجلس، وأكد فيه أنه يتابع بقلق تطورات الأحداث الجارية في أوكرانيا، وأنه يؤكد على تأييد كل الجهود الرامية لحل الأزمة من خلال الحوار والدبلوماسية، منسجمًا في ذلك مع موقف المملكة التي تسعى للحفاظ على الحياد نظرًا لعلاقاتها الطيبة مع جميع الأطراف.
* *
وهكذا تظهر صورة المملكة أمام العالم بمواقفها السياسية المتزنة والحكيمة؛ لتعطي دروسًا للآخرين في طبيعة العلاقات الدولية الصحيحة التي يجب أن تسود بين الدول، وأن يكون اعتمادها على حسن التعامل، والتعاون فيما يحقق المصلحة لجميع الأطراف. وهو المنهج الذي تتمسك به المملكة، وتلتزم به، وتعتمد عليه في علاقاتها مع جميع دول العالم.