د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
تعيش السعودية مرحلة تحول شامل ركيزته الأساسية تحول اقتصادي من الاعتماد على دخل أحادي معتمد على النفط إلى دخل متنوع في ظل خطة تنموية طموحة لرؤية المملكة 2030 واسعة الفرص؛ ليصبح اقتصاد السعودية أحد أهم اقتصادات القرن الواحد والعشرين.
لم تعد العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة مجرد علاقة بسيطة للطاقة مقابل الأمن، بل تطورت وأصبحت شراكة تجارية، بل العلاقة بين روزفلت والملك عبدالعزيز في 14 فبراير 1945 كانت في أساسها السلام من خلال التجارة، وسبق أن انطلقت بتوقيع السعودية اتفاقية امتياز التنقيب عن النفط مع شركة سوكال شيفرون عام 1933، ووضعت أسس لشراكة اقتصادية واستراتيجية وثقافية، بل خلقت جسورًا من الصداقة بين البلدين، رغم عدد من الخلافات التي عصفت بالعلاقات بين البلدين، لكن تبقى العلاقة الاستراتيجية بين البلدين قائمة بسبب أن جذور العلاقة راسخة.
نجحت رؤية المملكة 2030 في تنويع القاعدة الصناعية، واتجهت صوب القطاعات الناشئة مثل تكنولوجيا المعلومات والترفيه والرياضة والسياحة التي تخلق فرصًا واسعة بين الجانبين، إذ اعتبرت السعودية ثالث أكبر سوق تصدير للولايات المتحدة، والمرتبة الـ26 بين الدول التي تستورد منها الولايات المتحدة، إذ ارتفع حجم التجارة بين البلدين في 2021 بنسبة 22 في المئة عن عام 2020 إلى 92.5 مليار ريال، وارتفعت الصادرات السعودية غير النفطية إلى الولايات المتحدة عام 2021 بنسبة 71 في المئة إلى نحو 9.1 مليار ريال، وإجمالي الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة نحو 800 مليار دولار بحسب تصريح ولي العهد لمجلة أتلانتيك، وفي السعودية أكثر من 740 شركة أمريكية يعمل فيها أكثر من 67000 موظف منهم سعوديون.
عقدت هذه القمم في جدة التي أتت في وقت مفصلي إضافة إلى التحديات التي يواجهها العالم كله بما في ذلك جائحة كورونا، وما نتج عنها من آثار على الاقتصاد العالمي من تباطؤ الاستثمارات وتأثر سلاسل التوريد، وكذلك ما يشهده العالم من اضطرابات جيوسياسية من أبرزها المشكلة في أوكرانيا التي كان لها انعكاسات على الأمن الغذائي وتأثرها الواضح في أسواق الطاقة، وكان التضخم القياسي الذي يشهده العالم أحد نتائجها.
تمخضت القمة عن توقيع 18 اتفاقية ومذكرة تعاون في مختلف المجالات، منها 13 اتفاقية وقعتها وزارة الطاقة، ووزارة الاستثمار، والهيئة الملكية للجبيل وينبع، وعدد من شركات القطاع الخاص، مع مجموعة من الشركات الأمريكية الرائدة، مثل شركة بوينج لصناعة الطيران، وريثون للصناعات الدفاعية، وشركة ميدترونيك، وشركة ديجتال داينوستيكس، وشركة إيكفيا في قطاع الرعاية الصحية، وعدد من الشركات الأمريكية المتخصصة في مجالات الطاقة والسياحة والتعليم والتصنيع والمنسوجات.
ووقعت كذلك الهيئة السعودية للفضاء مع وكالة الفضاء الأمريكية ناسا اتفاقية أرتميس لاستكشاف القمر والمريخ للانضمام إلى التحالف الدولي في مجال الاستكشاف المدني واستخدام القمر والمريخ والمذنبات والكويكبات للأغراض السلمية، كما وقعت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات مذكرة تعاون مع شركة IBM الرائدة في مجال التقنية الرقمية لتعزيز مكانة السعودية مركزًا محوريًا للتقنية والابتكار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأيضًا وقعت مع الإدارة الوطنية للاتصالات والمعلومات الأمريكية NTIA تتضمن تعاونًا في مجالات تقنيات الجيلَين الخامس والسادس بهدف تسريع نمو الاقتصاد الرقمي وتعزيز وتيرة البحث والتطوير والابتكار في المنظومة الرقمية بالسعودية.
ووقع البلدان شراكة في مجالات الطاقة النظيفة، تتضمن تحديد مجالات ومشاريع في هذا المجال، وتعزيز جهود البلدين في نشر الطاقة النظيفة والعمل المناخي بما في ذلك في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية.
كما وقع البلدان مذكرة تعاون مشترك في مجالات الصحة العامة، والعلوم الطبية والبحوث، من أجل تبادل المعلومات والخبراء والأكاديميين من أجل التطبيق السليم لنظم المعلومات الصحية، والبحث والتطوير والابتكار الصحي.
ولغرض الاستجابة لتحديات الأمن الغذائي إقليميًا ودوليًا بما يتفق مع أهداف خارطة الطريق للأمن الغذائي العالمي كان نداء العمل الذي تقوده الولايات المتحدة لتقديم مجموعة التنسيق العربية التي تضم عشر مؤسسات تمويل تنموية وطنية وعربية متخصصة مبلغًا لا يقل عن 10 مليارات دولار، بجانب تقديم الولايات المتحدة مليار دولار لتلبية حاجات الأمن الغذائي الملحة على المديين القريب والبعيد لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
كما أعلن عدد من دول مجلس التعاون تقديم 3 مليارات دولار في مشاريع تتوافق مع أهداف مبادرة الشراكة العالمية للاستثمار والبنية التحتية التي أعلنت عنها الولايات المتحدة، وذلك للاستثمار في البنى التحتية الرئيسية في الدول منخفضة الدخل، بما في ذلك الاستثمار في تعزيز أمن الطاقة والمناخ والاتصال الرقمي، وتنويع سلاسل الإمداد العالمية.