مشعل الحارثي
معالي الأستاذ أحمد صالح شطا وزير التجارة الأسبق اسمٌ قد يجهله الكثيرون وخاصة أبناء جيلنا الحاضر لما لشخصية الرجل من مكانة وتقدير واحترام في نفوس كل من عرفه، ولما قدمه من إسهامات جليلة وأيادٍ بيضاء، فقد عرف حتى آخر أيامه وهو يعاني من لواعج الألم والمرض بالدفاع عن أصدقائه ومعارفه ومواطنيه وكل من يلجأ إليه، ووصفه أحد أصدقائه المقربين منه فقال إنه يتصف بثلاث صفات (الحب والإخلاص والوفاء)، وتجلت أبرز مظاهر هذه الصفات في حبه لجلالة الملك عبدالعزيز وأبنائه وللأسرة المالكة الكريمة وذلك ليس بغريب عليه فقد ورث ذلك واستقاه من والده الفاضل الشيخ صالح بكري شطا أحد وجهاء رجال مكة المكرمة وفضلائها وأعيانها المحبوبين, والذي تولى العديد من المناصب في العهد السعودي منذ عهد الملك عبدالعزيز غفر الله لهما جميعاً ومنها نائب رئيس مجلس الشورى الأسبق وكأول مدير للمعارف ثم معاوناً لجلالة الملك فيصل نائب جلالة الملك على الحجاز آنذاك.
ولم يبالغ الشاعر محمود عارف عندما رثاه في قصيدة طويلة وأتى على ذكر بعضٍ من صفاته ومزاياه التي حباه الله بها وعرف بها بين الناس ومن أهمها تفانيه في خدمة الناس فقال:
أحمد مات والرجال قليل
هو منهم، والفرق في المعيار
لا يحب (الأنا) لذات هواه
هو يسعى (للغير) دون انتظار
يخدم الناس والمحبة تجري
في شرايينه مع الأسرار
فاضل في سلوكه مستقيم
يتحاشى مواقف الأشرار
وعفيف اللسان والجيب يرضى
بالقليل الميسور من غير عار
ومن استقراء بيان سيرة معاليه الذاتية نجد أنه قد حصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة فؤاد الأول بمصر، وعمل قبل ابتعاثه بالتدريس لفترة محدودة، وبعد عودته من دراسته بالخارج تم تعيينه رئيساً لمكتب المؤتمرات بديوان نائب جلالة الملك على الحجاز، كما عمل عضواً في وفد المملكة الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك، ثم وكيلاً لوزارة التجارة ثم وزيراً لها فيما بعد.
ولعل من أهم ما يحسب لمعاليه ما قدمه من خدمات جليلة لمدة سبع سنوات في تأسيس جامعة الملك عبدالعزيز الأهلية في بداية إنشائها عام 1387هـ - 1967م كأول نائب منتخب لرئيس الهيئة التأسيسية للجامعة برئاسة جلالة الملك فيصل رحمه الله، وأول رئيس للجنة التنفيذية وعضو مجلس إدارة الجامعة لمدة أربع سنوات وجهاده في سبيل إقامة هذا الصرح التعليمي الشامخ بروح عالية من التضحية وإنكار للذات وبكل ما تحمله كلمة التفاني من معانٍ وكان كل ذلك تطوعاً ولا يبتغي منه سوى مرضاة الله وخدمة قيادته ووطنه ومواطنيه.
لقد سُئل معاليه ذات مرة وفي بدايات تأسيس الجامعة عن هذا المولود الجديد فقال معاليه: (طفلنا في مهده يثير تطلع جميع الأهل والأقرباء والضيوف والجيران الأدنين والأباعد, وإذا كان العلم هو الحياة فإن أحداً في هذه الديار المقدسة لم يعد يؤمن بوأد الحياة، ومن حول المشروع تحف بنا قلوب كثيرة كثيرة جداً تستبق الخبرات وتؤمن بمستقبل هذا البلد، والدولة ومنذ بداية عهدها وهي ترعى التعليم في صور واضحة زاهية، رغم شح الموارد في تلك الأيام، ورائدنا الفيصل يسبق آمال شعبه وأنت تقرأ كل يوم من مشاريع جديدة بدأت الدولة تخطط لها أو ابتدأت تنفيذها، وكلها يحتاج إلى جيش جرار من المثقفين والفنيين، وصدق جلالته إذ تحدث إلى خبراء التعليم الذين سبق أن استقدمهم للمشروع حين قال جلالته إننا في غدنا القريب سنكون في حاجة ماسة إلى أكثر من جامعتي الرياض والملك عبدالعزيز والجامعة الإسلامية في المدينة المنورة وسننشئ العديد من الكليات والمعاهد في طول البلاد وعرضها.
هذا التطلع الحصيف الواعي من الرجل الأول بيننا يجعل صورة المستقبل للسعودية ككل ولجامعة الملك عبدالعزيز إن شاء الله خاصة صورة مشرقة الجوانب متكاملة الظلال).
وهذا ما حدث بالفعل وأيده الواقع من استشراف للقيادة لهذا الصرح العلمي الكبير الذي أصبح اليوم وبعد انتقاله من القطاع الخاص وانضمامه لإشراف الحكومة في مقدمة الصروح التعليمية التي يشار إليها بالبنان بما يضمه من عشرات الكليات والمعاهد ومراكز البحوث والعمادات المستقلة ومساهمته البارزة في تحقيق خطط التنمية وتلبية احتياجات المجتمع سنوياً من الكوادر البشرية المؤهلة في مختلف التخصصات، ودوره الكبير في نشر الوعي العلمي والثقافي والاجتماعي وبما تحقق له منذ تأسيسه من منجزات علمية مميزة بين الجامعات الأخرى.
إننا حين نستذكر هؤلاء الرجال وأمثالهم ونأتي على سيرتهم وذكر مناقبهم وبعضٍ من عطائهم الكبير، فإننا إنما نقدم لهم لمسة وفاء ونذكِّر بهم للأجيال وبما يمثلونه من نماذج مشرقة للبذل والإخلاص والتضحية، ووجب علينا أن نشيد بهم وبمساهماتهم في خدمة الوطن وأبناء الوطن وقيادته الكريمة، فرحم الله الشيخ أحمد صالح شطا رحمة الأبرار ويكفيه فخراً أنه كان أحد المؤسسين والعاملين بجد لقيام هذا الصرح التعليمي الكبير الذي يحمل اسم الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه.