د.محمد بن عبدالرحمن البشر
يبدو أن صيف هذا العام سوف يكون صيفًا غير مألوف؛ فقد أثبت لنا الجزء الذي انقضى منه أن درجة حرارته أطول وأعلى، فيما يعتقد الكثير، مقارنة بما كانت عليه في الفترة نفسها. وهذا الحر الشديد لا شك أنه ينعكس على تفكير الناس، وعلى أسلوب معيشتهم، وعلى نفسيتهم؛ فالطقس جزء من الحياة، وجزء مما يحيط بالإنسان، وما يؤثر عليه، إضافة إلى تربيته وجيناته الوراثية التي ورثها من سلفه، التي تكونت عبر أجيال متعاقبة، أثرت في تكوين شخصية معينة. ولا أريد أن أذهب كثيرًا في هذا الموضوع ألا إذا وجدت أن السطور المحددة في مقالي تسمح بذلك، فقد كتب الكثير عن الساميين، ومن ضمنهم العرب، وتأثير البيئة على تفكيرهم وسلوكهم.
وقد نقل الأستاذ جواد علي في كتابه المفصل معظم ما قيل حول هذا الموضوع، سواء من علماء اليونان، أو الرحالة في كل زمان، ما قبل مولد المسيح وما بعده، وما قيل أيضًا في العصر الجاهلي، الذي ظهر في أقوال بعض الشعراء، وما نقله الأخباريون، والقُصاص، ونقلوه لنا عبر الكتب الإسلامية الكثيرة، وعلى رأسهم بلا شك الطبري شيخ مؤرخي المشرق في العالم الإسلامي، على الرغم مما يحمله الكتاب من أخطاء.
والرحالة والعلماء في القرون القريبة، الذين أتيح لهم زيارة المشرق العربي، كتبوا وحللوا تأثير البيئة على حياة الساميين من يهود، وعرب، وأراميين، وسكان الخيام، إضافة إلى ما ذكر في التوراة في إصحاح صموئيل في توصيته إلى شؤول، أي إسرائيل، وما يجب عليه فعله بأصحاب سكان الخيام، الذين ليس لبيوتهم أبواب ولا جدران، ويقصد البدو الرعاة فيما يبدو، وليس البدو الرحل.
وتأثير البيئة والطقس على العرب كما يراه البعض ظاهر في سلوكهم؛ فهم محبون للحرية؛ فالعربي يطلق لبصره العنان؛ ليستمتع باتساع الصحراء، وهو يأنف الانقياد لغير قبيلته، ومقاتل شجاع إذا جاع، مسالم إذا شبع، فإذا ما ضاق به العيش أو بماشيته فإنه يغزو مَن حوله، وقالوا أيضًا إن بيئته الصعبة جعلته سريع الانفعال، لا يصبر على حال، يفتخر بقبيلته، وبنسبه، ويدافع عنها ليحميها، ويحمي نفسه، وأهله، ويتقاسمون لقمة العيش المحدودة، لهذا فهم كرماء، يجودون مع الحاجة، لكنهم قساة أصحاب هوى. وذكروا صفات أخرى، ليس من المناسب ذكرها. فهل يا ترى سوف تزيد هذه الموروثات بزيادة قسوة الطقس، أم إن المكيفات والمبردات وتيسُّر سبل السفر إلى البلاد الباردة ستجعل العربي يتصف بصفات أخرى، مع تعاقب الأجيال، أو تتهذب بعض صفاته.
حرارة أخرى حملها للعالم ما مضى من صيف هذا العام، وما قبل هذا الصيف منذ أشهر قليلة، تلك الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، التي قتلت فيها حرارة القنابل والصواريخ الكثير من الأجساد من كلا الطرفين، وحرقت الأشجار والمنازل والحقول، وعانى الناس منها الكثير من المآسي، كما هي حال الحرب في كل مكان وفي كل زمان، بدون استثناء، وكما يقولون النار من مستصغر الشرر، فبدأت بالكلام وحدث ما حدث. ونرجو من الله سبحانه وتعالى أن ينعم علينا وعلى جميع بلدان العالم بالأمن والأمان والسلام الدائم والطمأنينة، وأن يسود العدل كل آفاق الدنيا. وقد يطول صيف هذه الحرب وتستمر فترة طويلة ليس في مفهومها الحربي فقط، وإنما في مفهومها والتأثير على العلاقات الدولية، وما يصاحب ذلك من تأثير على تدفق السلع والتجارة العالمية وكذلك الاستقطاب العالمي للدول، وقد لا تكون مناسبة لهذا العصر الحديث الذي ينادي أهله وسياسيوه بفتح الأسواق أمام العالم أجمع.
حرارة هذا الصيف رافقها ارتفاع في الأسعار غير متوقع، وغير مسبوق في جميع دول العالم، ولم يقتصر ذلك الارتفاع على سلعة بعينها مثل الطاقة مثلاً، ولكن أيضًا شمل ذلك الغذاء، والدواء، ومواد البناء، والمواد الخام اللازمة لقيام الصناعات، وأيضًا في تسلسل تدفق مدخلات الإنتاج ومخرجاته، وهذا لا شك يحتاج إلى وقت طويل حتى يصل إلى درجة معينة من التوازن. وقد علمنا التاريخ أن التضخم عندما يحل فإن الركود يتبعه، ولكن التضخم أيضًا قد ينخفض، لكن الأسعار لا تعود كما كانت عليه، ولا بد من أن يتعايش المرء مع واقعه، وأن يرفع من كفاءة إنتاجيته، وأن يواجه الحقيقة. ولا شك أن هناك سيكون توازنات في بعض أسعار السلع، ولكن التضخم لا يعود إلى ما كان عليه بالأسعار. إن الاقتصاديين في العالم يحاولون أن يخفضوه إلى نقطة أو نقطتين بدلاً من الثمانية أو التسعة في المئة الحالية في بعض الدول، باستخدام أدوات مختلفة، منها رفع سعر الفائدة. نرجو الله أن يمنَّ علينا بالأمن والأمان، والحمد لله على نعمة الإسلام والأمن.
بقي أن نقول إن صيف هذا العام جار على حَمَلة الأسهم في كل مكان، فخفضها خفضًا كبيرًا آلم الكثير، إن لم يكن الجميع، واكتوى بنار ذلك الانخفاض الأشخاص والبنوك والمؤسسات السيادية، وغير السيادية، والأغلب ينتظر أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه، لعل وعسى. وما من شك انه لا حزن يدوم، ولا سرور أيضًا، ندعو الله سبحانه وتعالى السلامة من كل شر، والغنيمة من كل بر.