أ.د.عثمان بن صالح العامر
انعقدت ظهيرة يوم (السبت 17 من شهر ذي الحجة 1443هـ، الموافق 16 يوليو 2022م) قمة جدة (الأمن والتنمية)، وقد تحدث سيدي سمو ولي العهد الأمين في كلمته الافتتاحية لهذه القمة التاريخية عن التحديات العالمية التي تواجهها الأمم على سطح الكرة الأرضية اليوم، ولم يكتف حفظه الله بطرح التحديات فحسب وإنما عرج ببيان واضح وشاف وكاف سبل التغلب عليها وتجاوزها باقتدار وكفاءة، ففي سياق الحديث عن الطاقة -التي هي التحدي الأقوى اليوم- ركز وفقه الله على وجوب التعامل مع هذا التحدي بواقعية ومسؤولية تحقيق التنمية المستدامة من خلال تبني نهج متوازن، وانتقال متدرج ومسؤول.. حيث إن تبني سياسات غير واقعية.. دون مراعاة الأثر الناتج عن هذه السياسات في الركائز الاجتماعية والاقتصادية للتنمية المستدامة.. سيؤدي في السنوات القادمة إلى: (... و... وزيادة في نسب البطالة، وتفاقم المشكلات الاجتماعية والأمنية الخطيرة؛ بما في ذلك تزايد الفقر و... وتصاعد الجرائم والتطرف والإرهاب).
وعلى ضوء هذه الرؤية الثاقبة لعلاج وتجاوز أي تحد داخلي أو خارجي تواجهه السياسات التنموية في المملكة العربية السعودية حتى وإن لم يكن هذا التحدي بحجم وخطورة موضوع (الطاقة) كان من وزارة التعليم ممثلة بمجلس شؤون الجامعات السعودية أن أصدر في جلسته المنعقدة يوم الأحد المنصرم برئاسة معالي الوزير الدكتور حمد بن محمد آل الشيخ، عدداً من القرارات التطويرية للجامعات؛ لمواكبة التطلعات المستقبلية، وتلبية الاحتياج الوطني؛ بهدف رفع كفاءة مخرجات وأداء منظومة التعليم الجامعي بالسعودية؛ بما يتواءم مع أفضل الممارسات العالمية للمؤسسات الجامعية.
والقارئ لتفصيل ما صدر من قرارات نوعية مهمة يلحظ أنها جميعاً تهدف إلى علاج (البطالة) الناتجة عن عدم توافق مخرجات التعليم الجامعي مع متطلبات سوق العمل، وذلك بزيادة أعداد القبول في التخصصات التي يحتاجها السوق أعني الكليات النوعية (الصحية والهندسية والتقنية والتطبيقية وإدارة الأعمال)، وفقًا للطاقة الاستيعابية لتلك الكليات؛ بما يُحسِّن من مخرجات العملية التعليمية، ويسهم في سد احتياجات سوق العمل.
وفي الوقت نفسه تخفيض القبول بنسبة لا تقل عن (50 في المائة) في التخصصات غير المتوائمة مع سوق العمل، مع زيادة استيعاب الطلاب والطالبات في الكليات النوعية، على أن يُعمل بهذا القرار لمدة خمس سنوات، ويتم تقييم تطبيقه بعد مرور ثلاث سنوات، وتقوم اللجنة الإشرافية برئاسة النائب للجامعات والبحث والابتكار بمتابعة تنفيذ القرار.
الجدير بالذكر أنني سبق أن سقت في هذه الزواية (الحبر الأخضر) في غضون الأسابيع القليلة الماضية جزيل الشكر وفائق التقدير لسعادة رئيس جامعة حائل -التي افتخر بالانتماء لها - لطرحه هذا الموضوع بالذات (العلاقة بين متطلبات سوق العمل ومخرجات الجامعة) على طاولة النقاش، ومد جسور التواصل مع قطاعات التنمية المختلفة في المنطقة، وحرصه على إجراء الدراسات ذات الصلة بالسوق المحلي، إذ تولد عن هذا العمل العلمي الممنهج الاحترافي التطبيق الفعلي لمشروع (التحول من كليات مجتمع الى كليات تطبيقية) وافتتاح أقسام جديدة تمنح أبناء المنطقة وبناتها فرصة الحصول على وظائف نوعية متميزة يتطلبها سوق العمل الوطني والعربي والعالمي، وتتوافق مع معطيات ومحددات رؤية المملكة 2030، وفي ذات الوقت تقليل القبول في أقسام أخرى وإيقافها في الثالثة.
إننا في قطاعاتنا التنموية، ودوائرنا الخدمية، ومؤسساتنا الخاصة والأهلية - على ضوء ما جاء في ثنايا كلمة سمو ولي العهد، وعلى خطى مجلس شؤون الجامعات السعودية - بحاجة ماسة إلى أن تكون الحلول المطروحة لمواجهة التحديات الفعلية حلولاً واقعية وجريئة مبنية على أسس علمية صحيحة ومدروسة ليست مجرد رؤى ارتجالية، واجتهادت شخصية، فهذا النوع من الحلول - أعني الحلول ذات الصبغة الواقعية العلمية - هو طوق النجاة الحقيقي للخلوص من التحديات، والسبيل الصحيح لتحقيقي تنمية وطنية مستدامة، ودمت عزيزاً يا وطني وإلى لقاء والسلام.