جانبي فروقة
وعد الرئيس الأمريكي جو بايدن عند توليه الرئاسة بعلاج روح الأمة إلا أنه وبعد ثمانية عشر شهرا قضى التضخم على حسن النية حيث تجاوز 9.1 في المائة (وهو رقم قياسي منذ أربعين عاماً) واليوم شعبية الرئيس الأمريكي في الدرك الأسفل وهو الإنجاز الأسوأ لرئيس أمريكي منذ خمسينات القرن الماضي حيث يعتقد 67 في المائة من الأمريكيين أن الاقتصاد يسير بشكل سيئ ويعتقد 78 في المائة أن البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ و64 في المائة يريدون مرشحاً رئاسياً جديداً في انتخابات 2024.
ومما لا شك فيه أن الغزو الروسي لأوكرانيا ساهم بشكل كبير في رفع أسعار الطاقة عالميا والتي أثرت بشكل سلبي وكبير في التضخم ليس في أمريكا بل في جميع دول العالم. تعامل الرئيس الأمريكي مع مشكلة الطاقة على صعيدين اثنين: الأول داخليًا مع شركات النفط ومصافي التكرير والثاني خارجيًا في ترتيب زيارة للشرق الأوسط وخاصة السعودية لمناقشة تأكيد التحالفات وطلب رفع الطاقة الانتاجية.
فقد وجه في شهر يونيو الفائت رسائل قوية إلى الرؤساء التنفيذيين لشركات النفط الكبرى في أمريكا (اكسون موبيل وشيفرون وبي بي وشل وفيليبس 66 وماراثون بتروليوم وفاليرو انرجي) يحثهم فيها على زيادة الطاقة التكريرية للانتاج حيث إنه تم اقفال 6 مصانع تكرير منذ بدء جائحة كورونا وبينت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية تراجعا في القدرات الإنتاجية تصل إلى أكثر من مليون برميل خلال العامين الفائتين ورغم ذلك فإن مصافي التكرير زادت مرابحها بزيادة عامل التكرير (الذي يعني أن كل 3 براميل نفط خام تعطي 2 برميل بنزين وCrack Factor 3:2:1 1 برميل ديزل أو وقود طائرات) ووصل ربح المصافي إلى 54 دولاراً لكل برميل بنزين وهو يمثل خمسة أضعاف هامش التكرير خلال الـ35 سنة الماضية حيث كان الربح عند سقف 10.5 دولار لكل برميل بنزين.
لفهم إستراتيجية بايدن في التعامل مع تحدي تخفيض أسعار الطاقة لا بد أن نعرف أن سعر المنتج النهائي للبنزين (والذي وصل اليوم إلى 5 دولارات للجالون الواحد في ولاية فيرجينيا إلى 6.5 دولار للجالون في كاليفورنيا) تدخل فيه العوامل التالية: سعر النفط الخام (وهو يأتي من الدول المنتجة للنفط ويساهم بـ58 في المائة من سعر التكلفة) + هامش التكرير (ربح مصافي التكرير والذي يشكل 18 في المائة) + الضرائب (12 في المائة) + تكاليف النقل والتوز يع والتسويق (12 في المائة)
لذلك ركز الرئيس الأمريكي في التعامل مع مشكلة ارتفاع أسعار الطاقة على أهم عاملين هما سعر النفط الخام وطاقة إنتاج مصافي التكرير واستبق الرئيس بايدن في زيارته للشرق الأوسط مخاطبة شركات النفط ومصافي التكرير طالبا منها رفع الطاقة الإنتاجية ومهددا باستعمال الأدوات المتاحة ومنها سلطات الطوارئ لزيادة قدرة وإنتاج مصافي النفط في المدى القريب.
الأثر السلبي في توجهات الإدارة الأمريكية الأخيرة في تحفيز والاسثتمار في مشاريع الطاقة الخضراء وتوجه شركات أنتاج السيارات إلى اعتماد خطط لانتاج سيارات كهربائية بوفرة جعل شهية شركات النفط ومصافي التكرير ضعيفة تجاه إنشاء مصافي تكرير جديدة ورفع الطاقة الانتاجية وهذا ما يفسر ضعف الاسثمار في مجال الطاقة وبدل ذلك بدأت شركات النفط استثمار مرابحها بإعادة شراء أسهم شركاتها.
ولمعالجة أسعار الطاقة على الصعيد الخارجي قام الرئيس بايدن مؤخرًا بزيارة الشرق الأوسط حيث بدأ بزيارة لإسرائيل ومن ثم توجه إلى السعودية للقاء قادة السعودية والخليج بالإضافة إلى ملك الأردن ورئيس وزراء العراق والرئيس المصري وأبلغ الرئيس جو بايدن القادة العرب أن الولايات المتحدة ستظل شريكا فاعلا في الشرق الأوسط وستساهم ببناء مستقبل إيجابي للمنطقة بالشراكة مع جميع الدول ولكن زيارة الرئيس الأمريكي لم تفلح في تشكيل محور أمني إقليمي تشمل اسرائيل ولم تفلح الزيارة عن التزامات لرفع إنتاج النفط.
فقد أوضح وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، إنه ليس على علم بأي مناقشات بشأن تحالف دفاعي خليجي- إسرائيلي وإن المملكة لم تشارك في مثل هذه المحادثات.
وقال للصحفيين بعد القمة الأمريكية - العربية إن قرار الرياض فتح مجالها الجوي أمام جميع شركات الطيران لا علاقة له بإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وليس تمهيدا لمزيد من الخطوات. وكان خطابه واضحا بمد يد الصداقة لإيران مع الالتزام التام بعدم التدخل بشؤون الدول المجاورة لإيران سواء بشكل مباشر أو عن طريق وكلائها وقد رحبت إيران بالكلام الإيجابي الصادر من السعودية. وإذا كان الرئيس بايدن يحاول تغليب لغة الدبلوماسية مع إيران لضمان عدم تطويرها أسلحة نووية فمن الحكمة أن لا تفقد الولايات المتحدة الامريكية علاقتها التاريخية مع المنطقة العربية وخاصة دول الخليج وأن تنشط علاقتها واستراتيجياتها في المنطقة لضمان مصالح الجميع وأمن الجميع ولا سيما أن الطاقة والأمن محوران حيويان لدول المنطقة والعالم أجمعه.
ولا بد من تعمل الإدارة الأمريكية على إعادة الثقة من قبل قادة الشرق الأوسط وتعزيزها والتواصل والعمل معها على وضع استراتيجيات تنموية وأمنية واضحة.
الاقتصاديات العالمية الكبيرة على وشك الدخول في الركود ونتيجة هذا الخوف وتبعات التضخم بدأنا نرى أسعار النفط دون سعر 100 دولار للبرميل ولا بد من سياسات أكثر حكمة ونجاعة للتعامل مع ملف الطاقة.
بلغت ديون العالم 305 تريليونات دولار حتى نهاية مارس الماضي وهذا يمثل 3 أضعاف ونصف حجم الاقتصاد العالمي وبزيادة 3.3 تريليون دولار عما كانت عليه قبل ثلاثة أشهر وواصلت الديون ارتفاعها حتى في أكبر اقتصادين في العالم حيث بلغت حتى مارس الماضي 2.5 تريليون دولار في الصين و1.8 تريليون دولار في أمريكا وتستحوذ الاقتصاديات المتقدمة على ثلثي ديون العالم والباقي موزع على الاقتصاديات الناشئة فهل سننتقل من فقاعة الكوفيد إلى فقاعة الطاقة والتضخم والآن حان وقت الفقاعة المالية بسبب الديون.
الأمن والطاقة وجهان لعملة التنمية وعلى إدارة بايدن التعامل مع ملفات الأمن في أوروبا والغزو الروسي على رأسها والتعامل مع ملف الصين والصراع العربي الإسرائيلي والتنمية في العالم والتغيرات المناخية والأمن الغذائي كل على حدة وبنفس الأولوية كي لا تتشابك خيوط الصراع أكثر.
** **
- كاتب مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية