أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: دين الله ليس أمياً، بل هو السراج المنير الذي امتن به ربنا على أمة أمية، ليحقق لهم وجوداً معتداً به؛ ففي القرنين الأولين الممدوحين اتجه جمهور للتفقه في دينهم وتدوينه، وانصرف جمهور أكثر للمرابطة على الثغور؛ لتحقيق وجودنا أمةً لا عشائر.. ثم مرت بالعرب أحوال؛ فمنهم المرابط في الثغور، ومنهم المتسلـي بالأدب مديحاً أو عشقاً، ومنهم المترفع بنسبه همه النخاسة والتجارة والولاية، ثم عادوا إلى جاهليين عشائريين متناحرين؛ فحكمهم أعاجم مسلمون صادقون وكائدون، وتفرغ المستعربون للعلم، وكانت إيجابياتهم أظهر في تحرير العلم شرعيه ودنيويه، وكان فيهم سلبيون أنتجوا علماً مزجوا به المسلمين بالريح؛ وبما أن دينهم خالد، فقد صحب الخلود علومهم؛ فحرصوا على الجانب التوثيقي، والإسناد المنقح؛ فكان لهم فن مبتكر من خصوصياتهم، وهو فن الفهارس والأخص به أهل الحديث.. والفهرس تأليف يجمع فيه المؤلف بإسناده ما رواه عن مشايخه من المؤلفات أو الفوائد، ولا يخلو عالم من فهرس لديه بمـرويه، وإنما استحق صفة التأليف والتداول ما كان فهرساً لعالم جليل كثير الرواية والتأليف، أو كان الفهرس ذاته كثير الفوائد، وكانت كتب الفهارس المطبوعة المتداولة في الشرق العربي على أصابع اليد من القليل المطبوع في الهند أو لبنان أو مصر، وطبع نحو عشرين فهرساً بفاس وتطوان وسلا والجزائر، ثم تدفقت كتب الفهارس مطبوعة محققة في شرقنا العربي، فطبع ما لا يقل عن أربعين فهرساً، وجمهورها بتحقيق أهل المغرب، ورائدهم ابن خير الأندلسي وشيوخ شيوخه ومن فوقهم.. وأهل المغرب هم أهل العناية بالفهارس قديماً وحديثاً، ويطلق على الفهرس الثبت والبرنامج، ويأخذ بطرف من فن الفهارس فنان من التأليف هما: كتب المشيخات، وكتب الرحلات.
وقد يتحول الفهرس إلى دائرة معارف شرعية وأدبية؛ فقد ذكر ابن عبدالملك المراكشي في كتابه (الذيل والتكملة) فهرساً لأبي الحسن ابن مؤمن باسم (بغية الراغب ومنية الطالب) وصفه بقوله: «وهو برنامج حفيل أودعه فوائد كثيرة كاد يخرج بها عن حد الفهارس إلى كتب الأمالي المفيدة.. وقفت على نسخة منه بخطه في ثمانية عشر جزءاً وأكثر من نحو أربعين ألف ورقة، واقتضبه في ثمانية أجزاء من تلك النسبة، ووقفت عليه أيضاً بخطه، ورأيت نسخة أخرى من الأصل في سفرين كبيرين.. ويكون هذا البرنامج في حجم جامع الترمذي أو أشف، عرف فيه أحوال رجاله الذين روى عنهم، وذكر أخبارهم ومناقبهم في العلم، وسيرهم وأخلاقهم.. وأسند عن جمهور منهم أحاديث وحكايات وأناشيد وأدعية وطرفاً مستظرفة؛ فجاء كثير الإمتاع، منوع الفنون والأغراض، وصدره بطرف صالح من بيان فضل العلم وصناعة الحديث وطرق الرواية وكيفية الضبط.. إلى غير ذلك من آداب علمية وفوائد حديثية نافعة».. انظر كتابي (كتب الفهارس والبرامج والأثبات) ص61-62.
قال أبو عبدالرحمن: فن الفهارس كحواشي العلماء وهوامشهم على الكتب مشحونة بفوائد في غير مظانها، وإلى لقاءٍ قريب إن شاء الله تعالى، والله المستعان.
** **
(محمد بن عمر بن عبدالرحمن العقيل) - عفا الله عني، وعنهم، وعن جميع إخواني المسلمين-