د. محمد بن إبراهيم الملحم
في حديثي هنا عن التغيير ومداخله وأسسه لا أهدف إلى تقديم مادة أكاديمية أو مجرد جرعة معرفية، وإنما أردت أن أستعرض هذا الموضوع باتجاهاته المشهورة مع توضيح مجال وشروط وأسس كل نوع لأساعد القارئ الكريم في إسقاط هذه الأسس العلمية على واقع «التغيير» الذي تُحدِثُه مؤسساتنا التعليمية، وأترك الحكم لكل قارئ على ضوء تجربته ومعايشته لكل تجارب التغيير التي عايشها إن كان من أفراد المؤسسة التعليمية أو شاهدها إن كان من خارجها، وعلى أية حال فبالنسبة للتعليم أحيانًا لا يمكننا التفريق بين تجربة من يعملون في التعليم والمستفيدين من الخدمة التعليمية أقصد آباء وأمهات الطلاب وحتى الطلاب أنفسهم، فكل هؤلاء سواء في ذلك تقريبًا، ذلك أن التعليم هو الخدمة الوحيدة في أي دولة والتي يتعامل معها كل فرد تقريبًا، بقية الخدمات بلا شك أنك تتعامل معها ولكن يظل تعاملك موسميًّا وربما تمر عليك خمس أو عشر سنوات قبل أن تجرب خدمة ما، مثلًا: البريد، التجارة، الشرطة، الحج، البلدية، الدفاع المدني وهكذا، حتى الصحة فلا نتوقع أن كل شخص سيكون مريضًا هذه السنة ويذهب للرعاية الصحية بالضرورة ! أما التعليم فهو «يوميًّا» في كل بيت سواء في المدن أو القرى النائية.
من هذا المنطلق كان التغيير الذي يحدث في التعليم مؤثرًا بقوة في المجتمع ويهز أركان بنيته الثقافية والاجتماعية والسلوكية، التعليم يا سادة هو كل شيء تقريبًا، وهذا لم يعد من القضايا المحتاجة تأويلًا أو نقاشًا وإنما بات من المسلمات لدى كثير ممن يتحدثون عنه من السياسيين والاقتصاديين والأمنيين وبالطبع علماء الاجتماع وعلماء التربية.
الغريب في الموضوع أنه مع استفاضة العلم ووفرة الحديث بهذه المسلمة فإنك لا تزال تلمس مشكلة هنا أو هناك في مسألة التغيير التعليمي، أحيانًا تكون يسيرة (لكنما اليسير في حجم ضخم يضخم الأثر نفسه) وأحيانًا تكون كبيرة. بل مشكلتنا أن تحديد هذا الحجم: أقصد مشكلة تغيير «صغيرة» أو «كبيرة» لايوجد له من يقيسه أو يحكم عليه بل من السهولة أن نختلف عليه! ومن الممكن أن تكون لدى التربوي رؤيته التربوية البحتة والتي يبنيها على أسس علمية بينما غيره يتهمه بالمبالغة لا سيما أن الإفتاء في التعليم لدينا سلعة مبتذلة كل يعتدي عليها بكل ثقة بل يجادل فيها أهل الاختصاص ويرد عليهم قولهم بكل ثقة وذلك في مجالس الناس ومنتدياتهم وأحيانًا في المؤسسات الكبرى!
مشكلتنا أنه ليست لدينا مجالس ذات سلطة لتقيم أداء هذه الخطوات التغييرية التي تجتهد فيها بعض المؤسسات التعليمية والأمر متروك لمبدأ الثقة في حرص المسؤولين وهو ما أؤكد شخصيًّا على إيماني داخليًّا به وبكل ثقة فإن كل مسؤول تعليمي في أي منصب عندما يقدم مشروعه التغييري فهو بكل إخلاص يستشرف من ورائه منفعة العملية التعليمية والنهوض بها وفائدة الطلاب وتحسين أدائهم، التطوير هو هاجس كل وزير أو نائب أو وكيل أو محافظ أو مدير جامعة، مشكلتنا الوحيدة هي في الفردية، وأقصد بها فردية المؤسسة، أي أنها ليست فردية شخص المسؤول وذلك حينما يتفرد بالقرار ولا يستشير من حوله، بل الاستشارة تحدث بدون شك لكن تظل مشكلة التغيير معضلة لا تكفي معها استشارة محدودة في مجلس إدارة يتبع نفس الكيان لا تضمن فيه نوع سيكولوجية العلاقة حيث أحيانًا تفرض علاقة الرئيس والمرؤوس ذاتها على المجتمعين وهذه حقيقة يصعب الهروب منها، لا في مجتمعنا فقط بل حتى في المجتمعات المتقدمة بسبب النظام الإداري الهرمي، ولذلك تلجأ كثير من الدول المتقدمة إلى المجالس المساندة و»المستقلة» والتي تتولى المشاركة في القرارات الإستراتيجية وتقييم الأداءات ولها سلطة تصويتية على قرارات التغيير خاصة تلك التي ستمس شريحة كبيرة أو يكون فيها تغيير جذري لأنظمة أومناهج، وكثير من الدول تقوم فيها هذه المجالس أو لجان منبثقة عنها أو هيئات موازية لها بعمل دراسات وأبحاث داعمة للقرار أو لتقييم القرار، أتساءل أين هذا كله عندنا؟ وهل نعجز عنها حتى اليوم مع التطور الكبير الذي حصل في مؤسساتنا وكياناتنا الحكومية؟ أنا واثق أنه سيحصل يومًا ما، ولكن أرجو أن يكون قريبًا.