كنت أستمع لخطاب سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في قمة جدة للأمن والتنمية بحرص واهتمام وقد أبهرني مدى الدقة والفهم العميق لأسواق الطاقة وأوضاعها الحالية ومتطلبات استقرارها على المدى المتوسط والبعيد ولا أبالغ لو قلت بأن هذا الخطاب وضع خارطة طريق للسياسات الطاقوية للسعودية خلال العقود القادمة كما أرسل وسائل كثيرة مباشرة وغير مباشرة للمنتجين والمستهلكين على حد سواء. ولعلي في هذا المقال أفصّل على عجالة في موضوع متطلبات استقرار أسواق الطاقة من وجهة نظر سعودية في ضوء ما ذكره سمو ولي العهد في خطابه.
أولا: ذكر سمو ولي العهد أنه يجب التعامل مع التحديات البيئية مثل التغير المناخي وانبعاثات الكربون بمسؤولية وواقعية. التحوّل السريع وغير المدروس إلى الطاقة البديلة يؤدي إلى مشاكل لا حصر لها ولذلك أي تحوّل يجب أن يكون مبنيا على أسس اقتصادية واجتماعية وليس على أسس ايدولوجية. جميع السياسات والتشريعات التي تطالب بالتحول إلى شكل محدد من أشكال الطاقة بطريقة غير عقلانية هي سياسات خاطئة ستخلق تشوهات في أسواق الطاقة قد يمتد تأثيرها لسنوات طويلة.
رسالة سمو ولي العهد واضحة ومباشرة ، التحول العقلاني إلى مزيج من الطاقة هو الطريق إلى المستقبل!
ثانياً: ذكر سمو ولي العهد أنه لا بد من الاستفادة من جميع مصادر الطاقة ومن ضمنها المواد الهيدروكربونية لأن ذلك مهم جداً لاستقرار أسواق الطاقة واستدامتها مما يؤدي في النهاية إلى نمو واستقرار الاقتصاد العالمي. التأرجح وعدم اليقين في أسواق الطاقة يؤدي إلى ارتفاع الأسعار والتضخم والأزمات السياسية والاجتماعية. كما ذكر سموه أن الحل هو تشجيع الاستثمار في قطاع النفط والغاز لضمان طاقة مستدامة واقتصاد عالمي مستقر.
رسالة سمو ولي العهد المباشرة هي أن الاستثمار في قطاعات الطاقة جميعاً هو دور جماعي ويض
ثالثاً: ذكر سمو ولي العهد أن السعودية تقوم بدور كبير جداً لضمان استمرار امدادات الطاقة إلى العالم. ومن ذلك إعلان السعودية عن زيادة الطاقة الإنتاجية النفطية من 12 مليون برميل يومياً إلى 13 مليون برميل يومياً بحلول عام 2027 . هذا يتطلب استثمارات رأسمالية ضخمة جداً حتى تتمكن المملكة بالوفاء بالتزاماتها وحتى تستطيع المشاركة بفعالية في استقرار أسواق الطاقة. لكن في نفس الوقت حذرّ سمو ولي العهد أن المملكة لا تستطيع الزيادة فوق هذا الحد.
وتحدث سموه أيضاً عن مبادرات السعودية الأخرى وجهودها في خفض الانبعاثات الكربونية مثل مبادرة السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر.
ورسالة سمو ولي العهد هنا صريحة وهي أن السعودية لديها مبادرات متوازنة تحافظ على استقرار أسواق الطاقة من جهة ومن جهة أخرى تحافظ على البيئة من الأنشطة الصناعية ويجب على الدول الأخرى دعم هذا التوازن لمصلحة البشرية ورفاهيتها.
هذه الأسس يجب على الدول المستهلكة والمنتجة على حد سواء استيعابها جيداً حتى لا يدخل الاقتصاد العالمي في نفق مظلم خصوصاً فيطل التغيّرات التي تعصف بالعالم في الوقت الراهن!
** **
د. مسفر بن كحلة - باحث في شؤون الطاقة