مها محمد الشريف
حاولت الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة احتواء الصين وتقسيمها وتعطيل علاقاتها الدولية وزرع بذور الخلاف والمعايير المزدوجة للدخول إلى فضائها عبر تايوان، ولكنها ماضية في علاقاتها وتوسعها وأظهرت ملامح الطاعة والعصيان للغرب في آن واحد، فالصين تواصل ضخ الاستثمارات في أمريكا الجنوبية منذ مطلع هذا القرن، ما أدى إلى تقليص الهيمنة التاريخية للولايات المتحدة على القارة، وأصبحت الصين الشريك التجاري الأول للقارة مما زاد من حدة التنافس الأميركي - الصيني للهيمنة على العالم.
وتسعى إلى توسيع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط متحدية الهيمنة الأمريكية فيها، ويرى خبراء أن الصين تسعى من خلال مشروع «الحزام والطريق» إلى «إسقاط الهيمنة الأمريكية فيها سلمياً»، وانتاب القلق واشنطن واعتبره الأمريكان مسألة مصيرية لابد من بحثها ووضع حدود لهذا التوسع.
ومنها تحركت نحو مؤثرات خاصة، وطرق لاستخدام كل الأدوات بشكل أدق بمراجعة الحسابات القديمة الأمريكية التي أرغمتها لحضور قوي في الشرق الأوسط، بعد زيارة رسمية للرئيس الأمريكي جو بايدن ووفد رسمي يرافقه فكان اللقاء لإصلاح بعض الأخطاء الأمريكية، والتخلي عن مهامها وعلاقاتها التاريخية في المنطقة، فكانت الزيارة ذات أهمية كبرى، وذلك لجعل الجانب العربي يعمل من أجل رؤى مشتركة مع الأميركيين في ما يخص المشكلات التي يعانيها بداية من فلسطين إلى اليمن ولبنان وسوريا وليبيا والسودان، فكان جوهر تلك الرؤى التأكيد على السيادة الوطنية والاستقلال، وقيام حكومات تتولى المسؤولية وتناهض الإرهاب والميليشيات، في قمة جدة السعودية الأميركية والقمة العربية الأمريكية إلى الاستقرار ومعالجة فوضى إيران وتدخلاتها في دول المنطقة، وإرساء خريطة طريق ثابتة لمستقبل العلاقات الأميركية العربية، كما أكدت أميركا أنها باقية، وستستمر في التقدم والنمو تضيفه لعملها المستقبلي في المنطقة، ولن تسمح بفراغ يملأه الروس والصينيون والإيرانيون.
وفي الساحة الأميركية والغربية من يرى أن الجانب العربي لن يوفر المطلوب منه برفع إنتاجه البترولي لضبط الأسعار، نظراً إلى أن مستويات الضخ اليومي وصلت أو اقتربت من الحدود القصوى الممكنة، ومن ثم فمن المتوقع التوصل إلى صفقات عربية أميركية محدودة أمنياً وبترولياً، ولن تواكب الطموحات الأمريكية.
انتهت الزيارة ببيان اتفقت كل الأطراف على جميع بنوده، وإزاحة الحواجز لكي تفتح مجالاً للحوارات والتعاون بينها وبين الدول الخليجية والعربية، أمر لا يشكل أي مشكلة لعواصم المنطقة التي ذهبت عن سابق تصور وتصميم لتنويع علاقاتها الدولية ومدّ جسور التعامل والتعاون مع بكين وموسكو ونيودلهي وسول، لكن الوجود الصيني يثير قلق أمريكا وتنافس حاد قد لا ينتهي بفائز وخاسر ويبدو ذلك مستحيلاً، فالهدف الأهم هو طرد النفوذ الصيني والروسي من المنطقة، والدلائل كلها تشير إلى صعوبة هذا السعي والاتفاق معه في المنطقة.
ومنها تتحرك تعقيدات العلاقات الدولية وترتبط بالأسباب التي تتحكم بالأحداث، بما أن الرؤى الأساسية ستظل كما هي لن تتغير، فالرئيس الأمريكي بايدن حمل إلى بلاده خريطة طريق جديدة لإعادة رسم سوق الطاقة في العالم، من هنا، يتوجب علينا الإشارة بأن الرياض (وشركاءها) تفرض مقاربة أخرى لحماية استقرار إمدادات الطاقة في العالم، والمقاربة هنا لا تأخذ بعين الاعتبار مصالح الدول المنتجة للطاقة الأحفورية فقط، بل تدفع نحو شراكة دولية كاملة في بناء مرحلة انتقالية، لا تخضع للإيديولوجيات التي نلمس أثرها، فمن أجل الاستثمار في قطاع الطاقة لتحقيق ضمان استقرار العرض، والتوصل في هذه المرحلة الجديدة إلى الانتقال بحكمة واتزان باتجاه طاقة نظيفة بديلة.
إذا قلنا إن هناك تغييراً ما، فهذا يعني أن أشياء سوف ستحصل، وأن المضمون سوف لن يستمر في وجوده بنفس حالاته السابقة للغرب، وأن تتابع هذه الحالات لا يأخذ اتجاهاً واحداً في الزمن القادم أو المستقبل، فالعالم بحاجة لمزيد من الأبطال، يطالبون بحق بلدانهم في العظمة. «جيل جديد من القادة، وفق ما أشار رئيس الحكومة العراقي مصطفى الكاظمي، يوجّه المنطقة، يتكلمون لغة حديثة، ويتعاطون مع قضايا بلادهم بمفردات العصر وأدواته، تريد العواصم العربية قيام دولة وطنية حديثة قوية تتخلص من الطائفية والمذهبية والعشائرية».
وهذا هو الشرط الذي يجعل من السياسة فعلاً بشرياً ممكناً، والتفكير والتأمل في هذه الخلاصات والنتائج، لأن العالم يتغير بما في ذلك منطقتنا، ويجب اختيار أفضل السبل لتحديد مسارنا وتأمين مصالحنا الوطنية والإقليمية.