د.شريف بن محمد الأتربي
على مدار اليومين الماضيين من 15 إلى 16 يوليو 2022م، وبدعوة كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية، وعلى أرض المملكة العربية السعودية وتحديدًا في محافظة جدة عقد قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والمملكة الأردنية الهاشمية، وجمهورية مصر العربية، وجمهورية العراق، والولايات المتحدة الأميركية قمة جدة للأمن والتنمية.
والعلاقة بين الأمن والتنمية علاقة طردية، فكلما استتب الأمن زادت التنمية والعكس صحيح. ويعد مصطلح الأمن من المصطلحات ذات المفهوم المطلق، فهو قد يضيق ليشمل الفرد فقط، ويتسع ليشمل العالم كله، ويتضمن عدة عناصر تتكامل مع بعضها البعض لتحقيق التعريف الجامع لمصطلح أو مفهوم الأمن، فيشمل ذلك الأمن الغذائي، والأمن البيئي، والأمن السيبراني... وغيرها، ولعل من أهمها الأمن القومي والذي يؤدي افتقاده إلى زعزعة الاستقرار داخليًّا وعلى مستوى المنطقة أيضًا. وإن كان البعض قد قصر تعريف الأمن على أنه شعور الفرد أو الجماعة بالطمأنينة، وإشاعة الثقة والمحبة بينهم، بعدم خيانة الأفراد لبعضهم البعض، والقضاء على الفساد، بإزالة كل ما يهدد استقرارهم وعيشهم، وتلبية متطلباتهم الجسدية والنفسية؛ لضمان قدرتهم على الاستمرار في الحياة بسلام وأمان.
وهناك العديد من التعريفات للأمن، حيث يعرفه شارل سلاينشر بأنه مجموعة من القيم، مثل: الحرية والرفاهية والسلام والعدالة والشرف وأسلوب الحياة، وهذه القيم هي أهداف الأمن، وبذلك يصبح الأمن مجرد أداة لحمايتها. وعرفه باري بوزان Barry Buzan أنه في حالة الأمن يكون النقاش دائرًا حول السعي للتحرر من التهديد. ويشير هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق إلى أن الأمن يشمل أي تصرف يسعى المجتمع عن طريقه لتحقيق حقه في البقاء.
فالأمن هو: القدرة على التحرر من تهديد رئيس للقيم العليا الفردية والجماعية، وذلك من خلال جميع الوسائل الممكنة للحفاظ على حق البقاء على الأقل، أو هو غياب التهديد للقيم الأساسية.
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا).
والتنمية رفيقة الأمن، أينما وجد وجدت وظهرت وأثمرت، وأفرزت مجتمعًا متحضرًا، يثري الحياة ويضيف إليها، وينتشر تأثيره إلى المنطقة كلها.
فالتنمية هي: عملية تطوير قدرات الاقتصاد والمجتمع، لتمكنه من توفير القوى البشرية والموارد المادية والمالية لتعزيز الإنتاج الاقتصادي، مما يسمح بضمان مستوى لائق من المعيشة للمواطنين في إطار من الأمن.
وهي الزيادة، والنماء، والكثرة، والوفرة، والمضاعفة. وهي أيضًا التغيير الإرادي الذي يحدث في المجتمع سواءً اجتماعيًّا، أم اقتصاديًّا، أم سياسيًّا، بحيث ينتقل من الوضع الحالي الذي هو عليه إلى الوضع الذي ينبغي أن يكون عليه، بهدف تطوير وتحسين أحوال الناس من خلال استغلال جميع الموارد والطاقات المتاحة حتى تستغّل في مكانها الصحيح، ويعتمد هذا التغيير بشكل أساسي على مشاركة أفراد المجتمع نفسه. ويفرّذق العلماء بين مفهوم النمو والتنمية، فالتنمية ترتبط دائمًا بتغييرات جذرية في هيكل المؤسسة نفسها وليس فقط على النتيجة كما هو الحال في النمو.
وكما للأمن من مجالات عدة، فللتنمية مجالات عدة أيضًا منها: الاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والاقتصادية.
وخلال جلسة المؤتمر الرئيسة، كان الأمن والتنمية هما المحور الرئيس لكل الكلمات، وأن غياب الأمن يعني فقدان التنمية وبالتالي السماح بظهور فئات متطرفة تسعى لنشر أفكارها الضالة والمضللة بين أفراد المجتمع، ناهيك عن الإرهاب الذي تمارسه بعض الدول في المنطقة وتدخلها السافر في شؤون الدول الأخرى. كما تم الإشارة إلى أن هناك دولًا أخرى ربما تكون خارج المنطقة، ولكنها تعمل على عدم استقرار الأوضاع في المنطقة حتى تحقق أهدافها ومكاسبها التي لن تتحقق في حال استتباب الأمن.
وعلى مدار اليومين اللذين عقد فيهما المؤتمر، عقدت العديد من اللقاءات الثنائية بين قادة الدول المشاركة وبعضهم البعض أو مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، وخلال هذه اللقاءات أثيرت العديد من القضايا والنقاشات التي ربما لن تتوقف وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي عن تناولها لفترة طويلة لما في هذه اللقاءات من حساسيات ناتجة عن مواقف سابقة.
لقد كان استقبال مولاي خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين لقادة الدول المشاركين في القمة حافلًا وبقدر ما يتناسب مع هذا الحدث الفريد، وجاء البيان الختامي لهذه القمة متناسبًا مع أهميتها، وكان مما ورد فيه:
تأكيد الرئيس الأمريكي جو بايدن على الأهمية التي توليها الولايات المتحدة لشراكاتها الاستراتيجية الممتدة لعقود في الشرق الأوسط، والتزام الولايات المتحدة الدائم بأمن شركاء الولايات المتحدة والدفاع عن أراضيهم، وإدراكها للدور المركزي للمنطقة في ربط المحيطين الهندي، والهادئ بأوروبا، وإفريقيا والأمريكيتين.
التأكيد على أهمية اتخاذ جميع التدابير اللازمة في سبيل حفظ أمن المنطقة واستقرارها، وتطوير سبل التعاون والتكامل بين دولها، والتصدي المشترك للتحديات التي تواجهها، والالتزام بقواعد حسن الجوار والاحترام المتبادل واحترام السيادة والسلامة الإقليمية.
التأكيد على التزام الولايات المتحدة بالعمل من أجل تحقيق السلام العادل والشامل والدائم في الشرق الأوسط. العمل على تطوير التعاون والتكامل الإقليمي والمشاريع المشتركة بين الدول المشاركة بما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة، والتصدي الجماعي لتحديات المناخ.
كما تم الإشادة من قبل القادة بمبادرتَي «السعودية الخضراء» و»الشرق الأوسط الأخضر» اللتين أعلنهما صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة العربية السعودية.
وفي مجال الطاقة أكّد القادة على أهمية تحقيق أمن الطاقة، واستقرار أسواق الطاقة، مع العمل على تعزيز الاستثمار في التقنيات والمشاريع التي تهدف إلى خفض الانبعاثات وإزالة الكربون بما يتوافق مع الالتزامات الوطنية.
ومن أهم النقاط التي وردت في البيان الختامي ما يتعلق بالأسلحة النووية، حيث جدد القادة دعمهم لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ولهدف منع انتشار الأسلحة النووية في المنطقة. كما جددوا دعوتهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية للتعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومع دول المنطقة، لإبقاء منطقة الخليج العربي خالية من أسلحة الدمار الشامل، وللحفاظ على الأمن والاستقرار إقليميًّا ودوليًّا.
كما جدّد القادة إدانتهم القوية للإرهاب بكافة أشكاله ومظاهره وخاصة للهجمات الإرهابية ضد المدنيين والأعيان المدنية ومنشآت الطاقة كما حدث سابقًا في المملكة العربية السعودية. وأبدى القادة عزمهم على تعزيز الجهود الإقليمية والدولية الرامية لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، ومنع التمويل والتسليح والتجنيد للجماعات الإرهابية من جميع الأفراد والكيانات، والتصدي لجميع الأنشطة المهددة لأمن المنطقة واستقرارها.
وفي الشأن العراقي، جدّد القادة دعمهم الكامل لسيادة العراق وأمنه واستقراره، ونمائه ورفاهيته، ولجميع جهوده في مكافحة الإرهاب. كما رحّب القادة بالدور الإيجابي الذي يقوم به العراق لتسهيل التواصل وبناء الثقة بين دول المنطقة.
كما رحّب القادة بالهدنة في اليمن، وبتشكيل مجلس القيادة الرئاسي، معبرين عن أملهم في التوصل إلى حلٍّ سياسي وفقًا لمرجعيات المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني الشامل، وقرارات مجلس الأمن.
وأكّد القادة على ضرورة تكثيف الجهود للتوصل لحلٍّ سياسيٍّ للأزمة السورية، بما يحفظ وحدة سوريا وسيادتها، ويلبّي تطلعات شعبها.
وعبّر القادة عن دعمهم لسيادة لبنان، وأمنه واستقراره، وجميع الإصلاحات اللازمة لتحقيق تعافيه الاقتصادي.
وجدّد القادة دعمهم للجهود الساعية لحل الأزمة الليبية وفق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وضرورة عقد انتخابات رئاسية وبرلمانية جنبًا إلى جنب في أقرب وقت، وخروج جميع المقاتلين الأجانب والمرتزقة دون إبطاء.
وأكّد القادة على دعمهم لجهود تحقيق الاستقرار في السودان، واستكمال وإنجاح المرحلة الانتقالية، وتشجيع التوافق بين الأطراف السودانية، والحفاظ على تماسك الدولة ومؤسساتها، ومساندة السودان في مواجهة التحديات الاقتصادية.
وفي الشأن الدولي، جدد القادة التأكيد على ضرورة احترام مبادئ القانون الدولي، بما فيها ميثاق الأمم المتحدة، وسيادة الدول وسلامة أراضيها، والالتزام بعدم استخدام القوة أو التهديد بها. ويحث القادة المجتمع الدولي وجميع الدول على مضاعفة الجهود الرامية للتوصل إلى حلٍّ سلمي، وإنهاء المعاناة الإنسانية، ودعم اللاجئين والنازحين والمتضررين من الحرب في أوكرانيا، وتسهيل تصدير الحبوب والمواد الغذائية، ودعم الأمن الغذائي للدول المتضررة.
وفيما يخصُّ أفغانستان أكّد القادة على أهمية استمرار وتكثيف الجهود في سبيل دعم وصول المساعدات الإنسانية لأفغانستان، وللتعامل مع خطر الإرهابيين المتواجدين في أفغانستان، والسعي لحصول الشعب الأفغاني بجميع طوائفه على حقوقهم وحرياتهم الأساسية، وخاصة في التعليم والرعاية الصحية وفقًا لأعلى المعايير الممكنة، وحق العمل خاصةً للنساء.
وأخيرًا، رحّب القادة باستعدادات دولة قطر لاستضافة كأس العالم 2022م، وجددوا دعمهم لكل ما من شأنه نجاحه، كما أكّدوا على التزامهم بانعقاد اجتماعهم مجددًا في المستقبل.
إن قمة جدة للأمن والتنمية تعد نموذجًا لما يجب أن تكون عليه القمة بدءاًً من الاستقبالات التي حظي بها القادة المشاركون، أو بالموضوعات التي تمت مناقشتها، ووصولًا إلى عدد الحضور خلف كل قائد وختامًا بتوزيع القادة في ختام القمة وقوفًا لالتقاط الصور التذكارية.
إذا أردت القمة فابدأ من السعودية فهي قمة وهامة. حفظ الله وطننا وقادتنا.
** **
- مستشار تدريب وتعليم إلكتروني