سارا القرني
في السباق المحموم على كرسي الرئاسة الأمريكية قبل عامين تقريباً.. أطلق جو بايدن (المرشح عن الحزب الديمقراطي) رؤيته المزعومة لو أصبح رئيساً بشأن سياسته تجاه الشرق الأوسط بشكل عام والسعودية بشكل خاص، وتوعّد في تصريحاته بشأن مقتل جمال خاشقجي.. بعزل السعودية تماماً على الصعيد الدولي وجعلها تدفع الثمن.
انتهت قصة الانتخابات بفوز بايدن.. وانتهى استخدام السعودية كورقة سياسية انتخابية هامة لبايدن ولكل الرؤساء من قبله، ومضت الأمور على حالها.. بلا تغيير جوهري في الاتفاقيات ولكن بتغيير محوري في السياسة.
الانتقادات الأمريكية استمرت رغم التحذيرات التي أطلقها الداخل الأمريكي بعواقب النهج السياسي المتخذ ضد السعودية، واتضحت آثاره بارتفاع التضخم وزيادة أسعار الوقود بشكل جنوني، والحل لدى السعودية!
الرئيس الأمريكي كان يريد علاقات أمريكية سعودية قائمة على الرضوخ والتنازلات.. والقيادة الحكيمة في المملكة تريد استمرار العلاقات وتقويتها لكن على مبادئ أهمها المعاملة بالمثل والاحترام.. سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي.
محاولة شيطنة السعودية في الإعلام الأمريكي لم يجنِ ثمارها إلا الرئيس الأمريكي وحده والشعب من بعده.. إذ وضع بايدن نفسه هدفاً للانتقادات اللاذعة جراء رغبته زيارة السعودية، مما دفعه إلى كتابة مقال في صحيفة واشنطن بوست الأشد عداءً للمملكة لتوضيح أسباب زيارته، وباعتبار أنّ الثابت الوحيد في السياسة هو «التغيير».. كانت أبرز نقطة تحدث عنها بايدن في مقاله هي «بداية فصل جديد»، إذ تعرف أمريكا أنّ السعودية هي الورقة الأهمّ في مجال الطاقة.. والورقة الأهم في مجال الإمداد العالمي لما تملكه من ممرات مائية وبرية وجوية تربط بين القارات والمناطق الإقليمية، لهذا يحتاج بايدن السعودية في ترجيح كفة سياسته تجاه الأزمة الروسية الأوكرانية التي ألقت بظلالها على العالم وعلى أمريكا خاصة، ولكسر الجمود السعودي الأمريكي.
الشيطنة الإعلامية الأمريكية قابلتها هيمنة سعودية ثابتة بالحفاظ على إنتاج النفط بمستوياته الحالية دون زيادة طالبت بها أمريكا لمواجهة ارتفاع الأسعار ونقص الإمدادات، والشيطنة الأمريكية قابلتها هيمنة سعودية بالحفاظ على الحياد والدبلوماسية والتوازن في العلاقات الخارجية مع الدول مثل روسيا والصين وأوكرانيا، والشيطنة الأمريكية قابلتها تصريحات تحمل طابع الندية والمكاشفة آخرها ما جاء في تصريح ولي العهد حفظه الله عن الأخطاء الأمريكية في سجن أبو غريب ومقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة، الذي لم تتخذ معه أمريكا أي إجراء أو مسؤولية، وقابلها تصريح حكيم من القيادة بـ»أن محاولة فرض قيم معينة بالقوة على بلدان أخرى قد يأتي بنتائج عكسية».
بعد قمة جدة يمكننا القول بشموخ.. إنّ السعودية لم تطلق شعارات غير قابلة للتنفيذ، بل نفذت ما وعدت به والتزمت بمسؤوليتها الدولية تجاه مختلف القضايا، وإنّ التصريحات السعودية الحازمة في بيانها بالقمة أرسلت إشارة واضحة إلى القيادة الأمريكية بأنّ السياسة التي تمرّ عبر السعودية لا بدّ أن تكون بموافقة سيادية سعودية، تماشياً مع الأعراف الدولية وبما يخدم مصالح المملكة سياسياً واقتصادياً دون محاولات للإملاء أو التركيع.
عاد بايدن.. وكان في اعتقاده أنه يملك ما لا تود المملكة سماعه، ولكنه سمع ورأى من المملكة ما لم يتوقعه.