خالد بن حمد المالك
في زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لمنطقتنا عقد أربع قمم مهمة، وزاد عليها باجتماعات جانبية مع بعض زعماء دول المنطقة، وظهر الرئيس الأمريكي حريصًا على توسيع لقاءاته واجتماعاته، وبحث كل ما له علاقة بمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من جهة، وعلى استقرار وأمن ووحدة أراضي الدول الأخرى من جهة أخرى.
* *
ولم يظهر الملل على الرئيس رغم ازدحام برنامجه، وتشعُّب الموضوعات التي قدم من أجلها؛ ما جعل من الزيارة وجولاته المكوكية تغطي على كل الأحداث في التغطيات الإعلامية الأخرى، واهتمام العالم بمتابعتها، متفوقة حتى على الحرب الروسية - الأوكرانية.
* *
فقد عقد قمة في إسرائيل، وأخرى بالأراضي الفلسطينية، وثالثة ورابعة في جدة، وفي كل قمة كان لها حصتها من الاهتمام، وفي كل اجتماع تركزت محاوره وموضوعاته بحسب حالته الخاصة؛ فما يبحث في إسرائيل غيره في الأراضي الفلسطينية، بخلاف ما تم بحثه بين المملكة وأمريكا في القمة، أو في قمة جدة للأمن والتنمية بحضور دول مجلس التعاون ومصر والأردن والعراق وأمريكا.
* *
هناك نتائج كبيرة ومهمة، وتصب في مصلحة جميع دول المنطقة، ومصلحة أمريكا أيضًا، وقد تم الإفصاح عنها ببيانات مشتركة، أو من خلال تصريحات لمسؤولين وقادة في هذه الدول، غير أن هذه القمم، وما تمخض عنها من قرارات وتوافق، تحتاج إلى التنفيذ الملزم، والتطبيق السريع، وإلا فإنها ستكون كسابقاتها مجرد تسجيل مواقف لا أكثر ولا أقل.
* *
في القضية الفلسطينية، فإن السلام -وكما أعلن الرئيس الأمريكي بعد قمتيه مع رئيس وزراء إسرائيل ورئيس السلطة الفلسطينية- لا يتحقق إلا بإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة إلى جانب دولة إسرائيل، ويحتاج هذا التوجه إلى السرعة القصوى وقبل فوات الأوان لتنفيذ خيار الدولتين، لا الاكتفاء بالدعوة إلى حوار «الطرشان» للوصول إلى حل؛ ليكون دور واشنطن تهيئة المكان لديها لإطلاق الخبر، وترتيب مراسم الاحتفال لديها، هذا إن حدث.
* *
وفي مسألة إيران، وإرهابها، ومفاعلها النووي، وتسليحها الميليشيات في عدد من الدول، وتدخُّلها في الشؤون الداخلية للغير، وتهديدها الملاحة الدولية، وغيرها كثير، فإن التعامل مع هذه القضايا يحتاج إلى عمل جدي يوقف ممارساتها في تقويض السلام والأمن في منطقتنا، في حال إن لم تستجب طهران للنداءات التي صدرت من خلال البيان المشترك لقمة جدة للأمن والتنمية.
* *
وهناك العلاقة السعودية - الأمريكية التاريخية، وما شابها في السنوات الأخيرة من محاولات لإفسادها بعد ثمانين عامًا من التميز، وما تمثله زيارة الرئيس بايدن للمملكة، ومباحثاته مع الملك وولي العهد، وعقد الدولتين القمة التي حددت مسار هذه العلاقة مجددًا، ونفخت فيها الروح تحقيقًا للمصالح المشتركة.. هذه العلاقة يجب على واشنطن ألا تسمح مرة أخرى بإفسادها، وألا تقبل بمرور ما يعكر صفوها، مع احتفاظ كل من الرياض وواشنطن باستقلاليتهما في تحقيق ما يلبي مصالحها، وأن يكون الحوار بينهما هو سيد الموقف عندما تتباين المواقف ووجهات النظر.
* *
الزيارة الأمريكية للمملكة أظهرت لرئيسها حقيقة الوضع هنا، وأبانت له ما كان يثير مخاوف إدارته على مصالح أمريكا في المنطقة، خاصة من الصين وروسيا، من أن يملآ معًا أو أحدهما الفراغ في المنطقة إذا ما أعطت الولايات المتحدة الأمريكية ظهرها للمنطقة ولحلفائها فيها، مكتفية بعلاقاتها مع إسرائيل التي لا يزال استمرار وجودها المستقبلي غامضًا ما لم يتم إقامة الدولة الفلسطينية التي تماطل إسرائيل في تحقيقها وفقًا للشرعية الدولية وخيار الدولتين.
* *
مصالح أمريكا في المنطقة كبيرة ومهمة، ولا غنى لأمريكا عنها، وتحقيقها وضمانها لن يكون بلا ثمن، وبما لا مصلحة للطرف الآخر، وأعني به دول المنطقة، وعلى رأسها وأهمها المملكة العربية السعودية، وهذا يعني - فيما يعنيه - أن على واشنطن أن تتعامل مع هذا الموضوع من زاويتَين، وليس من زاوية مصلحة أمريكا دون النظر والاعتبار لمصالح الدول الأخرى، وأن لا تمنّ على هذه الدول بأي صفقات سلاح؛ كونها تُشترى بمال هذه الدول، وبالعملة الصعبة، ولمصلحة الجانبين.