محمد سليمان العنقري
هذا ما بشر به السياسي البريطاني الشهير توني بلير ورئيس الوزراء السابق المثير للجدل والشريك في حرب احتلال العراق مع جورج بوش الابن رئيس أمريكا السابق ورغم كل ما يثار من تشكيك حول ما يصرح به عادةً بعد أن أباحوا لأنفسهم الحرب على العراق بحجة امتلاكها سلاحاً كيماوياً ثبت زيف كل ما ادعوه إلا أنه بتصريحاته في ندوة حول الحرب الأوكرانية وتبعاتها كان صريحاً بأن الغرب يشهد نهاية هيمنته على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية وشبه المرحلة بأنها مقاربة لفترة نهاية الحرب العالمية الثانية مؤكداً أن العالم يتجه لتعدد الأقطاب وأن الصين هي من سيأتي بالتغيير الجيوسياسي عالمياً مطالباً بضرورة أن يبقى التفوق العسكري للغرب على الصين مستمراً ويبدو من إشاراته أنه لم يعد من مجال يمكن منافسة الصين فيه إلا الأسلحة وكأنها إشارة إلى ما يمكن أن يحدث مستقبلاً في مصير المواجهة بين الغرب بقيادة أمريكا والصين التي تسير بخطوات ثابتة نحو أهدافها بالتنمية والتفوق بكافة المجالات.
فما تناوله توني بلير له احتمالات عديدة فليس بالضرورة أن يكون دقيقاً إذا اعتبر أنه يراد من كلامه تضليل الصين وخداعها بأنها وصلت لأهم مفاصل القوة التي تجعلها قائدة العالم مستقبلاً ويسقط هذا الاحتمال بسبب أن الصينيين لا يكترثون للمديح ولا تطربهم مثل هذه الإشارات فهم يسيرون نحو أهدافهم وفق قدراتهم واحتياجاتهم وهو ما أوصلهم لأن يكونوا ثاني أكبر اقتصاد عالمي أما الاحتمال الأقرب للواقع فهو أن هيمنة الغرب بالفعل في نهايتها عند النظر في الكثير من تفاصيل المشهد الدولي، فإعلان روسيا الحرب على أوكرانيا كشف هذا الوهن لديهم فلا أمريكا ولا حليفتها أوروبا منعت هذه الحرب بينما ضحى الروس بكل علاقتهم التجارية الضخمة مع أوروبا في خوضهم لهذه الحرب وكأنهم يعلمون أن دول الاتحاد الأوروبي أهم أعضاء حلف الناتو لا حول ولا قوة لهم، فهم تحت رحمة امدادات الطاقة الروسية من الغاز والنفط ويعتمدون عليها بنسبة كبيرة من احتياجهم، إضافة لصادرات موسكو من المعادن والسلع الغذائية الأساسية ونظرتها للاتجاه لأسواق أخرى فالعقوبات التي وضعت على موسكو وقاربت 5500 عقوبة لم تمنعها من إكمال عملياتها العسكرية في أوكرانيا كما أن موجة التضخم الكبرى ضربت دول أوروبا وأمريكا ويكافحون لإيجاد حلول تكبح التضخم وتمنع وقوع احتجاجات شعبية بدولهم أما المشهد الآخر فهو يتمثل بضعف تخطيطهم لملف الطاقة، فحرب أوكرانيا كانت صدمة كشفت أن أهمية النفط والغاز باقية وتتعزز وأن الطاقة المتجددة ليست الحل الأمثل والأسراع بالاتجاه لها لم يكن تخطيطاً صحيحاً وبدأ بعضهم يعود لاستخدام الفحم الحجري الأكثر تلويثاً للبيئة وهناك اتجاه لعودة الاستثمار بالنفط والغاز استكشافاً وإنتاجاً أما الجانب المظلم فهو جبال الديون السيادية في الغرب التي لن تستمر إلى ما لا نهاية بالتضخم فإذا انفجرت فقاعة الديون لديهم في السنوات القادمة وإذا استمر النمو الاقتصادي لديهم بمستويات بسبطة فإن من شأن ذلك أن يعيد تشكيل الاقتصاد العالمي في وقت قصير ويدخلهم في أزمة كساد لن تكون قصيرة وسيتسبب ذلك في هجرة الاستثمارات نحو الشرق تحديداً هذا بخلاف أن المجتمعات الغربية تشهد ارتفاعاً بمتوسط اعمار السكان وزيادة بنسب الكهولة وهو ما يعني أن برامج الحماية الاجتماعية سترتفع تكلفتها وسيتقلص الإنتاج والاستهلاك مع انخفاض عدد القوى العاملة وذلك لصالح الدول الصاعدة الفتية سكانياً والتي يعيشفيها الجزء الأكبر من سكان العالم.
فالصين والهند يقطنهما حوالي 2.7 مليار إنسان أي 35 في المائة من سكان العالم وهي الاقتصادات الصاعدة والأكثر طلباً للسلع وجذباً للاستثمارات، فبكين بلغ حجم تجارتها مع العالم في النصف الأول من هذا العام 2.9 تريليون دولار أي ما يعادل حجم اقتصاد فرنسا أو بريطانيا تقريباً بينما يتوقع أن يتخطى تاتجها 19 تريليون دولار هذا العام كما أن إنفاقها العسكري وعلى التكنولوجيا والبحث العلمي وصناعة الأدوية ينمو بمعدلات الأعلى عالمياً في اتجاه واضح نحو المنافسة والتفوق وامتلاك التقنية بشتى المجالات بخلاف شراكاتها الدولية الواسعة بعكس الغرب الذي تتراجع مكانتهم بالتجارة الدولية تدريجياً ومتأخرا في مبادرات تجارية واستثمارية مثل مبادرة الحزام والطريق الصينية التي تضم قرابة 70 دولة بشراكة مع الصين أما العامل اللافت والأكثر أهمية هو اهتزاز الثقة بين دول الغرب فأمريكا منذ عهد أوباما أعطت إشارات ببعض الملفات السياسية بالشرق الأوسط تحديداً كان لها وقع سلبي على دول أوروبا بعكس ما كانوا متوافقين عليه ثم اكملها الرئيس ترمب بإثارة ملفات التجارة البينية معهم ووضعه رسوم على بعض صادراتهم لأمريكا ثم جاءت فترة الرئيس بايدن لتحدث شرخاً كبيراً مع فرنسا التي سحبت سفيرها من واشنطن بخطوة غير مسبوقة بعد أن ألغيت صفقة الغواصات الفرنسية مع أستراليا واستبدلت بغواصات أمريكية وكذلك ما أثير عن طريقة انسحاب أمريكا من أفغانستان دون تنسيق مع الحلفاء الأوروبيين مما تسبب بفوضى كبيرة في عملية انسحاب الناتو من كابول وحتى حرب روسيا على أوكرانيا فإن ارتباك الغرب واضح بالتعامل معها فهم يدفعون تكاليف هذه الحرب للروس بمشترياتهم من الغاز والنفط ويدعمون أوكرانيا بذات الوقت بالمال والسلاح ويتجهون لأكبر حشد دولي ضد موسكو دون اعتبار لمصالح دول العالم التي لا تشاركهم الرؤية نفسها بإنهاء هذه الحرب.
الغرب ما زال قوياً ولديه تفوق اقتصادي وسياسي وعسكري واسع ولكن قد تكون هذه هي الذروة وأن ما يتشكل بالعالم اليوم فعلاً هو نهاية هيمنتهم ولكن لن تكون بطريقة هادئة فهم سيدافعون عن مكانتهم بكل الطرق حتى لو كانت الحرب العالمية الثالثة هي الخيار الأخير وما دعوة بلير لضرورة إبقاء التفوق العسكري للغرب إلا لاستخدام القوة بأي طريقة كانت في مواجهتهم مع منافسيهم.