علي الخزيم
كان الاتصال للتهنئة بعيد الأضحى المبارك؛ لكن أصواتاً تشعُّ فرحاً ومَرَحاً، وتزهر اقحواناً وورداً عَطِراً ندياً لفتت الانتباه لأطفال يبدو انهم يستمتعون بأجمل أوقاتهم، أين أنتم يا أم عبد الله؛ بصالة أعراس أم إنكم باجتماع عائلي؟ قالت: لا هذا ولا ذاك، نحن نُمضِي أسعد الأوقات بصحبة مجموعة من الأيتام بأحد الشاليهات بالرياض، اعتدنا ببعض الإجازات المدرسية المطولة والأعياد ونحوها (التنسيق الرسمي) مع جهات الاختصاص بجمعية (إنسان) لرعاية الأيتام أو أحد فروعها، ضمن مجموعة سيدات متطوعات من معلمات وموظفات ومُحسِنات وغيرهن من مُنّفذات الأعمال الخيرية الإنسانية، وبظل إشراف موثوق ومُوثَّق، بحيث توزع المهام التي تثمر عن إسعاد هؤلاء الصغار لليلةٍ أو يوم كامل حسب المُتاح، تتخلله الوجبات الغذائية والفعاليات التربوية التثقيفية لتنمية المدارك والتوجيه التربوي السليم (غني عن القول إنها بضوابط شرعية وتتماشى مع الأنظمة)، ومن ثم تمضِية بقية الوقت المحدد بالألعاب واللهو البريء والمرح اللطيف تحت نظر ومتابعة المشرفات المتطوعات لمنح الأطفال أطول وقت من المتعة والانطلاق وإشعارهم أنهم عند أهل وبين أيدٍ أمينة وقلوب رحيمة تحن عليهم وتعطف، وتمنحهم كل معاني الود والرأفة.
موقف حدث أثناء المحادثة الهاتفية أشعل شجون الوداد تجاه أحباب الله الأيتام الصغار، فقد ظهر صوت صغير منهم يخاطب المتحدثة! قالت: ها هو أحدهم يرتمي بحضني؛ كلما مر وقت قصير على لعبه ولهوه يعود إليَّ ملاطفاً يريد أن أحمله واقبّله وامنحه قليلاً من الحنان ثم ينصرف، أتعامل معه الآن وكأني والدته، وإني أحتسب هذا العمل الجليل عند الله سبحانه، وكل المشاركات يتطلَّعن لهذا الفضل العظيم من رب كريم، وأضافت: إنه لا يمكن من خلال الهاتف تخيُّل هذه الوقفات مع هذه الورود البشرية المنطلقة ومدى سعادتهم، الصورة اسمى وأجمل وأرقى مما يتخيله المستمع، نجد سعادة وراحة وآفاقاً من الآمال برضى الرحمن عنَّا وعنهم؛ بأن زرعنا بقلوبهم الفرح وبنفوسهم الانشراح، وزودناهم بمشاعر النجاح والفلاح بقادم الأيام وان عيوناً وقلوباً رحيمة بعون الله ترعاهم، وأشارت إلى أن من يتابع تحركاتهم وميولهم يدرك أنه سيخرج منهم من يحقق مستويات باهرة بمجالات متعددة مختلفة بصنوف وفروع العلوم والمعارف والتقنية الحديثة، نعم: فاليتم بالصغر لا يعني ضمور المدارك، هم عقول صاغها الله بقدرته سبحانه، ولعل حالة اليتم تُفَجّر لدى كثير منهم ينابيع الإبداع المبهرة ليخدموا دينهم وبلادهم، إذا انبرى لهم أمثال هؤلاء النسوة الخَيّرات، فطوبى لهن وأمثالهن بكل المدن والمحافظات، فلم تكن القصة الَّا واحدة من الأعمال الإنسانية الخيرية ببلادنا الغالية.
يقول الشاعر إيليا أبو ماضي بهذا المعنى:
(يا كافلَ الأيتام، كفُّكَ واحةٌ
لا تُنْبِتُ الأشواكَ والزقوما
ما أَنْبَتَتْ إلّا الزُّهورَ نديَّة
والشِّيحَ والرَّيحانَ والقيصُوما
أَبْشِرْ فإنَّ الأَرْضَ تُصبح واحةً
للمحسنين، وتُعلن التكريما
أبشر بصحبةِ خيرِ مَنْ وَطىءَ الثرى
في جَنَّةٍ كمُلَتْ رضاً ونَعيما
حَسْبُ اليتيم سعادة أنَّ الذي
نشرَ الهُدَى في الناسِ عاشَ يَتيماً).