خالد بن حمد المالك
مرت شهور على الهدنة في اليمن، قال قائل: إنها الطريق إلى السلام والأمن والاستقرار، وخالفه آخر بأن القرار ليس في صنعاء وإنما هو في طهران، وبالتالي فلم تلتزم ميليشيا الحوثي التزامًا كاملاً بما تم الاتفاق عليه، ومارست اختراقات استفزازية عدة، دون أن تقابل بالرد من الحكومة الشرعية.
* *
نعم يفترض أن تقود الهدنة الطرفين إلى طاولة الحوار، وأن يصلا في نهاية المطاف إلى حل يعتمد على المبادرة الخليجية التي تصون وحدة اليمن، وتنهي القتال، وتقضي على العبث والارتهان إلى إملاءات إيران، وصولاً إلى إجراء الانتخابات المستقلة لاختيار قيادات المستقبل وممثلي الشعب.
* *
الحوثي لا يلتزم الصمت، ولا يكتفي باختراقاته رغم الهدنة، وإن كانت استفزازية ومحدودة، لتفجير الوضع، ولكنه يعلن بعد قمة جدة للأمن والتنمية التي كان بيانها قد نص على ترحيبه تمديد فترة الهدنة، ليسارع الحوثي بإعلانه رفض تكرار الهدنة، أي أنه كمن يؤكد بأن الاحتكام مع القيادة الشرعية، والوصول إلى حلول معها لن يتم إلا من خلال السلاح والقتال.
* *
وليس هناك غير إيران التي تدفع بالحوثيين إلى هذا الموقف المتصلب، فهي من تزودهم بالسلاح، وهي من تُدرب أفرادهم، ولديها خبراء يوجدون في صنعاء، وربما أسهموا في بعض العمليات القتالية، وهي بذلك من تمنع أو توافق على الهدنة، وصولاً لإبقاء الحل الشامل في القريب المنظور غير ممكن.
* *
والهدنة إذا كانت هذه نوايا الحوثيين وموقفهم منها، فإنها تعد استراحة إرهابيين، يستفيدون من الوقت في وصول المزيد من المعدات والأسلحة الإيرانية للاستقواء بها على القوات الشرعية، فضلاً عن فتح التدريب الإجباري لشباب وأطفال يمنيين ليكون ذلك جزءًا من معادلة هذه الحرب، وزجهم في أتون معاركتها وحرائقها، ضمن أجندة إيرانية مماثلة لما تفعله طهران في لبنان والعراق وسوريا وغيرها.
* *
إيران لها مصلحة في إشعال الفتن في عدد من الدول العربية، واستخدامها ورقة في حل مشاكلها الداخلية والخارجية، فضلاً عن أطماعها في هذه الدول، ما لا يمكن فهمه إلا أنه ضمن سياسة ثورة الخميني في تصدير ثورته إلى دول الجوار والمنطقة وإلى ما هو أبعد من ذلك.
* *
وإيران وهي في مأزق أمام المباحثات حول مفاعلها النووي متعثر الحل، وحصارها اقتصاديًا، وملل المواطنين الإيرانيين من سياسة القمع لكل معارض لنظام الملالي، وعلاقاتها المتوترة مع أكثر دول العالم، إيران أمام هذا الوضع لا تجد متنفسًا لها، ومحاولة للهروب من الواقع، والمساومة مع أمريكا وبعض دول المنطقة لحل مشاكلها إلا من خلال سياسة دعم العناصر الإرهابية، وتوظيفها للقيام بأعمال تخريبية نيابة عنها.
* *
ما الذي يجب أن يفعله العالم المحب للسلام، الداعم لاستقرار الدول غير كبح جماح هذه السياسة الإيرانية العدوانية، بالقوة العسكرية المناسبة، لأن التعامل الرخو مع إيران لم ولن يزيدها إلا تعنتًا وتهديدًا، وبناء كل ما يعزز قوتها بالأسلحة الفتاكة، والعلاقات مع عناصر داخلية إرهابية في كل دولة يغري بعض أفرادها المال الإيراني، أو الرغبة في التبعية لأسباب مذهبية وعقدية، وأجندة سياسية.
* *
إن أي تعامل مع إيران بانتظار أن يؤدي الحوار معها إلى نتائج ينزع منها القوة التي تغذي بها الإرهاب، هو تعامل مشكوك في نتائجه ونجاحه، فالتجارب التي تمت مع إيران للوصول معها إلى نتائج من خلال طاولة المباحثات والحوار فشلت، بدليل حوارها حول مفاعلها النووي، وعدم ظهور أي نتائج إيجابية منها، وإصرارها على مواقفها، وعدم إبداء أي مرونة أو تقبل لأي رأي يغير من هذه السياسة رغم كل التنازلات من الأطراف الأخرى.
* *
إن إعلان الحوثيين بعدم تكرار تجربة الهدنة ردًا على بيان قمة جدة للأمن والتنمية، يعني أن لديها مشروعاً إيرانياً مفتوحاً، وعلى كل الجهات والجبهات، وباستمرار سياستها في التدخل في شؤون الدول، واستخدام أدواتها البشرية الوكلاء لها في عدد من الدول، كما هم في العراق ولبنان وسوريا واليمن، ممن تطلق على عواصمها الأربع العربية على أنها عواصم إيرانية، استخفافًا باستقلال هذه الدول، ومساسًا بسياداتها، وتقزيمًا لمواطنيها، وهو ما يجب أن يكون موضع نظر جاد من دول العالم، وعدم الاكتفاء بالبيانات التي تستخف بها الدولة الفارسية ولا تعيرها أي اهتمام.