فضل بن سعد البوعينين
نجحت المملكة في عقد قمتي جدة السعودية الأميركية، والأميركية الخليجية العربية التي اتخذت من الأمن والتنمية شعاراً لها. نجاح كبير ومكاسب تحققت، بفضل الله، ثم بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وتنفيذ سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي نجح في قيادة القمتين بحكمة وثقة محققا مكاسب مهمة ليس للمملكة فحسب، بل وللمنطقة.
دبلوماسية سعودية هادئة أعادت بوصلة العلاقات الأميركية السعودية إلى وجهتها الصحيحة، وتمكنت من تفعيل العمل المشترك بين دول المنطقة ورص الصفوف وتوحيد الكلمة لتحقيق الأمن والتنمية وبعث الأمل في نفوس الشعوب.
اعتراف الرئيس الأميركي جو بايدن بخطأ الانسحاب من المنطقة، وربط زيارته بتصحيح أخطاء الماضي، من المكاسب الظاهرة التي أدت إلى عودة العلاقات السعودية الأميركية إلى مسارها الصحيح، وتعزيز الشراكة الأمنية والاقتصادية والتوسع فيها من خلال توقيع 18 اتفاقية ومذكرات في مجالات الطاقة والاستثمار والاتصالات والفضاء والصحة.
عودة التعاون الأمني المشترك من المكاسب المهمة، والمعززة للأمن الإستراتيجي. التوقيع مع شركة «وريثيون» للصناعات الدفاعية سيعزز من قدرات المملكة الصناعية، وسيسهم في نقل التقنية وتوطينها، كما أن خلق شراكة جديدة في الأمن السيبراني مع وكالة الأمن السيبراني الأميركية، سيسهم في رفع كفاءة منظومة الحماية السيبرانية في المملكة، ويحقق أمن المنظومة الرقمية التي ستشكل مستقبلاً قاعدة الاقتصاد.
توقيع مذكرات تعاون في تقنيات الجيل الخامس، والسادس، وربط شركات التكنلوجيا الأميركية ومنها شركة IBM بالشركات السعودية، والتركيز على تدريب مائة ألف شاب وفتاة على مدى خمس سنوات ضمن مبادرات نوعية سيسهم في تعزيز مكانة المملكة كمركز محوري للتقنية والابتكار في المنطقة. تسريع نمو الاقتصاد الرقمي وتعزيز وتيرة البحث والتطوير والابتكار في المنظومة الرقمية من أولويات القيادة، وأهدافها الإستراتيجية المنبثقة عن رؤية 2030.
وفي «قمة جدة للأمن والتنمية» كان التركيز الأكبر على مواجهة التحديات الأمنية والمخاطر الكبرى التي تقف خلفها إيران وأذرعها الإرهابية في اليمن والعراق والدول العربية الأخرى، إضافة إلى أمن الطاقة والاقتصاد العالمي.
وفقت المملكة في اختيار شعار القمة، فالأمن قاعدة التنمية، ولا يمكن الفصل بينهما، ومن المهم التأكيد على أهمية تحقيق أمن المنطقة واستقرارها، للمضي قدمًا في تنميتها وبناء اقتصاديات دولها، في بيئة آمنة مستقرة.
ملف أمن الطاقة من الملفات التي طرحها الرئيس الأميركي، وبالرغم من أهميته القصوى، إلا أن من الخطأ ربطه بحجم الإنتاج واستدامته وبمعزل عن أمن الدول المنتجة ومنشآتها النفطية والممرات البحرية. تستأثر دول الخليج بتلبية ما يقرب من 20% من الطلب العالمي على النفط، وتشكل نسبة احتياطياتها المؤكدة 32 في المائة من مجمل الاحتياطي العالمي، غير أنها تواجه بتحديات أمنية مصدرها إيران وأذرعها الإرهابية في المنطقة، كما أن أهم المضائق البحرية التي يمر من خلالها نفط الخليج باتت مهددة بسببها، وأي تهديد لآبار النفط، ومجمعات التكرير، والناقلات يعني تهديدا مباشرا لأمن الطاقة، وللاقتصاد العالمي، ما يستوجب العمل على وقف التهديدات الإيرانية وعملياتها الإرهابية المزعزعة لأمن الطاقة والمنطقة عموماً.
كما أن أمن الطاقة واستدامة الإمدادات يتطلب وقف السياسات المتحيزة ضد النفط، والتي تؤثر سلباً على ثقة المستثمرين وتدفعهم للإحجام عن الاستثمار في قطاع الإنتاج ما قد يتسبب في شح المعروض النفطي مستقبلا، وتضخم الأسعار، وهو ما أشار له سمو ولي العهد في كلمته التي ألقاها في القمة. يجب على الولايات المتحدة، والغرب عموما، التنبه إلى أهمية حماية مصادر الطاقة دون تمييز، وتحفيز الدول المنتجة على ضخ مزيد من الاستثمارات لرفع طاقاتها الإنتاجية وبما يتوافق مع نمو الطلب العالمي، والتحول التدريجي نحو الطاقة المتجددة، وبما يضمن توازن الأسواق وتحقيق أمن الطاقة والاقتصاد العالمي، ومتطلبات التنمية في الدول المنتجة التي يشكل النفط قاعدتها الاقتصادية الرئيسة.