الهادي التليلي
قمة جدة للأمن والتنمية التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والتي جرت وقائعها يوم 16 جولاي 2022 بقصر السلام بمدينة جدة بمشاركة كل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي والعراق والأردن ومصر وسبقت بقمة أخرى بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية استطاعت أن تتحول إلى الحدث العالمي الأبرز في هذه الفترة حيث إنها جمعت المتحكمين الرئيسيين لسوق النفط والمساهمين بنسبة 22 بالمائة من إنتاجه إضافة إلى سوق الغاز حيث يشارك في القمة المتحكمين في 13 بالمائة من الإنتاج العالمي منه إضافة إلى الوزن الإقليمي والجيوسياسي لأمريكا والسعودية وسائر الدول الخليجية ومصر والعراق القوة المتعافية والمتموقع في خط التماس مع ايران إضافة إلى الأردن ذي الموقع الإستراتيجي والمتموقع في خط التماس مع إسرائيل.
في الحقيقة القمة الأولى التي سبقت قمة الأمن والتنمية بيوم واحد وجمعت بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية تعد خير مقدمة وأحسن تمهيد حيث أن كلا البلدين يعد من القوى الأكثر تأثيرا في العالم خاصة بعد جائحة كورونا والحرب الأوكرانية الروسية فالسعودية وفق التحديث الأخير لميزان قوى العالم تبوأت مكانتها الجيو استراتيجية اللائقة بها حيث إنها لم تعد مجرد دولة من دول العالم الثالث التي لها ميزة امتلاك النفط بل مؤثر بارز ولاعب مركزي في المشهد السياسي العالمي لهذا وغيرها كانت القمة الأولى متسمة بالتوازن في الخطاب والحوار وهو ما تفسره الطرق البروتوكولية المعتمدة في القمة إضافة للرسائل المشفرة التي تاه الإعلام الأمريكي في تفحص دلالاتها حيث تم التركيز على دلالة استقبال جو بايدن الرئيس الأمريكي من طرف أمير مكة الأمير خالد الفيصل نجل الملك فيصل وما يحمله من دلالات لها من مرحلة السبعينيات وما رافقها من تفاصيل كما سجل الاعلاميون الأمريكان انبهارهم بالحضور اللافت لولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود الذي أعطى مهابة لبلده أمام رئيس الولايات المتحدة الأمريكية على قاعدة الند للند وهي المكانة الحقيقية للمملكة العربية السعودية التي لا يمكن أن تكون إلا في نادي الكبار ولم يكن الاكتفاء عند حد التفاصيل البروتوكولية التي شدت اهتمام كل العالم كانت مفردات الحطاب بين الطرفين متسمة بالوضوح والشفافية حيث تم التعرض إلى نقاط حساسة لإبعاد كل حجر عثرة بين الأطراف وكالعادة الإعلام الامريكي مارس هوليوديته في نقل وقائع اجتماع تابعه الجميع ونقلت فعالياته في مختلف وسائل الإعلام العالمية. على عكسه اتسم الإعلام العربي وخاصة القناتين الأكثر متابعة للحدث ونعني بهما العربية والحدث بحرفية جعلت الهوليودية الإعلامية الأمريكية في التسلل.
القمة الأولى لم تكن تمهيدا للقمة الثانية ولكنها كانت نواة والقمة الثانية هي توسعة لهذه النواة بمعنى أن مخرجات القمة الأولى هي بمثابة خارطة طريق لنجاح القمة الثانية.
القمة الثانية والتي اختير لها عنوان الأمن والتنمية سبقت بصورة توثيقية للزعماء الحاضرين توسطهم كل من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز وجوزيف بايدن الرئيس الأمريكي وافتتحها ولي العهد السعودي الذي تركزت كلمته على الترحيب بالحاضرين ناقلا تحيات خادم الحرمين الشريفين وناقلا تمنياته للقمة بالنجاح، وبعد ذلك ذكر الجميع بالتحديات التي تهدد العالم والمنطقة وما يحتمه ذلك من ضرورة التعاون المشترك في إطار ميثاق الأمم المتحدة لتي أساسها احترام سياسة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية راجيا أن تؤسس القمة لعهد جديد من التعاون المشترك بين دول المنطقة والولايات المتحدة الأمريكية مذكرا بما أفرزه الوضع في ما بعد جائحة كورونا والمشهد الجيوسياسي الجديد وما خلفه من تحديات إضافة إلى التحديات البيئية كالتغير المناخي والتلوث مما يحتم ضرورة العمل المشترك لمواجهة هذه التحديات وغيرها بانتهاج سياسات حكيمة ومسؤولة نحو صفرية للانبعاثات دون إقصاء لمصادر الطاقة الأساسية حماية لمصالح الدول وابتعادا عن الآثار الاجتماعية والاقتصادية وهو ما قد يحقق -إذا لم يكن مسؤولا- ارتفاعات في الأسعار إضافة إلى البطالة وغيرها من الآثار السلبية كالمجاعة والتطرف والإرهاب والجريمة مؤكدا على أن النمو الاقتصادي العالمي يرتبط بشكل كبير بمصادر الطاقة مستعرضا بعض المشاريع العملاقة المساهمة فيها المملكة والتي من بينها خط الكهرباء العراقي وربط الكهرباء مع مصر والأردن وغيرها.
كلمة ولي العهد محمد بن سلمان كانت لافتة وغاية في الذكاء الدبلوماسي خاصة في مسألة التعرض لإيران حيث لم يهاجم بل دعاها إلى أن تجنح إلى السلم والانخراط في جهود السلام والتوقف عن دعم الإرهاب والتطرف، وطبعا كانت القضية الفلسطينية حاضرة في خطاب ولي العهد بما يستجيب للشرعية الدولية.
من جهة ثانية جاءت كلمة بايدن الذي بدأها بالتذكير بالحضور العسكري الأمريكي والذي كان ابنه أحد المشاركين فيه خاتما كلمته بالدعاء للجنود الأمريكان، وشكر حسن وفادة المملكة العربية السعودية له والوفد المرافق مذكراً بتاريخ العلاقات الأمريكية مستعرضاً دور المنطقة ومكانتها بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية مشددا على جهود الولايات المتحدة حتى لا تمتلك إيران الأسلحة النووية معبرا على يقينه بأن الولايات المتحدة لن تدع مجالاً وفراغا تستغله روسيا والصين في المنطقة.
وبعد بايدن تداول الزعماء الكلمات فكان التركيز على الأمن والتنمية فكانت أطروحات وبدائل على غرار التصور المصري المرتكز على النقاط الخمس لتشفع القمة بشكر وتثمين جهود المملكة في توحيد الصف حول التحديات الأساسية المهددة للحاضر والمستقبل.
نجاح قمة الأمن والتنمية بجدة تدشن عصرا جديدا بموازين قوى جديدة تعد المملكة العربية السعودية أحد أركانه لقيمة منجزها وعمق رؤيتها التي هي تتجاوز النموذج الشرقي والغربي بمقاربة متجاوزة وحكيمة ومسؤولة.