د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
لا تقبل السعودية أن تبقى ضمن دائرة الدول النامية أو الناشئة، بل تطمح إلى أن تصبح ضمن دائرة الدول المتقدمة، مستثمرة إمكاناتها وقدراتها على تحقيق التكامل بين جميع مكوناتها الاقتصادية والاجتماعية والعلمية، بعدما نجحت كثيرا في إزالة العوائق الأيديولوجية، حيث كثيرا من المبادرات التي وضعتها تحولت إلى واقع ملموس في عالم يتسم بالتنافسية العالية، ما جعلها تتجه نحو تعزيز هذه الرؤية.
ورأت الدولة أن من الأولويات التطلعات نحو الاهتمام بالبحث والتطوير والابتكار للعقدين المقبلين ضمن أربع أولويات تتضمن صحة الإنسان، استدامة البيئة، الريادة في الطاقة والصناعة، واقتصادات المستقبل.
تهدف رؤية الأمير محمد بن سلمان ولي العهد فك الاشتباك بين تداخل الجهود، وتنظيم أمر البحث والتطوير المشتت بين الشركات والجامعات، جعله تحت الإشراف المباشر والفعال، وهو ما يتطلب تبني حوكمة للاستفادة الفعالة والمباشرة من البحث والتطوير والابتكار، وإنشاء هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار لتطوير البرامج والمشاريع وتوزيع الميزانيات ومراقبة الأداء، وجعلها تسهم في تنمية القطاعات التي حددتها التطلعات لتسهم في تعزيز هذا التحول بشكل أسرع ليكون واقعا وللحاق بركب الدول المتقدمة.
هذه الخطوة التي تبنتها السعودية لتعزيز رؤية المملكة 2030 تجعلها تستقطب أفضل المواهب الوطنية والعالمية لتعزيز التعاون مع أكبر مراكز البحث حول العالم، وسيكون القطاعان العام والخاص شريكين أساسيين لقيادة البحث والتطوير والابتكار، وتعزيز التعاون بين الصناعة والأوساط الأكاديمية، وزيادة الاستثمار في هذا القطاع إلى 2.5 في المائة بحلول عام 2040 من إجمالي الناتج المحلي الذي يعد أحد أكبر المعوقات، ووفق الخطط فإنه سيضيف إلى الناتج المحلي الإجمالي 60 مليارا للناتج المحلي، مع توفير فرص وظيفية جديدة مباشرة وغير مباشرة.
احتلت السعودية المرتبة الأولى عربيا في 2021 والـ25 عالميا في براءة الاختراع وفقا لمنظمة الأمم المتحدة العالمية للملكية الفكرية (الويبو)، فالسعودية تغزو المستقبل، وقفزة كبيرة في براءات الاختراع عربيا وعالميا، باعتبار أن الابتكار أحد أهم العناصر الرئيسة في التحول الاقتصادي للسعودية كمنهج ناجح ورائد عالميا، ومساعدة الجامعات في وضع استراتيجية وهوية بحثية خاصة تعمل على رفع جودة النشر العلمي وتعظيم أثره، فرفعت الجامعات عدد البحوث من المستهدف 18 ألف بحث في 2020 إلى 33.6 ألف بحث، فهي مسيرة تطور تفوق 40 عاما.
صعدت السعودية 8 مراتب في تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية الصادر عن مركز التنافسية العالمي التابع للمعهد للتنمية الإدارية، لتصل إلى المرتبة 24 من بين 63 دولة الأكثر تنافسية في العالم، جاءت في المرتبة السابعة في مجموعة العشرين تفوقت على اقتصادات متقدمة، ويقصد بوجود بيئة داعمة ومحفزة للتنافسية والمحافظة عليها وتطويرها.
السعودية لديها قيادة تسابق الزمن بقيادة الملك سلمان حفظه الله وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان تتطلع إلى المستقبل بكل ثقة عبر خطط وضعتها بعيدة المدى لتتحول إلى دولة متقدمة وليست دولة نامية أو ناشئة.
فالسعودية استطاعت الخروج من الجائحة بحصافة والعودة إلى النمو بسرعة عالية، بسبب أنها اعتمدت على الابتكار الرقمي لتعزيز الإجراءات الرقابية، كذلك مجموعة استدامة البيئة التي تعد الشريك الأساسي للإنسان، فاستطاعت السعودية أن تصبح ثالث دولة منتجة للغذاء بعد مصر والجزائر متقدمة على دول لديها أنهار وأراض زراعية مثل السودان والعراق، بل إن هولندا ذات المساحة الـ41 ألف كيلو متر أصغر من مساحة البحرين البالغة 934 ألف كيلو متر، لكنها تصدر مواد غذائية بنحو 104 مليارات دولار في 2021 تفوقت على أكبر دولة في العالم أمريكا بنحو 75 مليار دولار.
هناك مدينة ذا لاين في نيوم قائمة على فكرة الاستدامة البيئية، ومشاريع كثيرة جدا من مشاريع العلا إلى مشاريع البحر الأحمر التي ارتكزت على مفاهيم بيئية صرفة، بجانب المشاريع الخضراء الذي سيسهم الابتكار في إيجاد حلول للعديد من المشكلات، والقدرة على رصد متغيراتها.
تود السعودية أن تبقى درة التاج في إمدادات الطاقة في العالم، فالاهتمام بتطوير مركز البحوث ودعم الابتكار إلى مواكبة التحولات السريعة في العالم في هذا القطاع خصوصا وأن العالم بحاجة إلى مزيج الطاقة، ما جعلها تقدم مبادرات عدة في هذا المجال من خلال مشاريع الاقتصاد الدائري للكربون والهيدروجين الأخضر، وهي رؤية سعودية واقعية القادرة على تلبية الاحتياجات العالمية من الطاقة والحرب الروسية في أوكرانيا أثبتت صحة الرؤية السعودية عندما لجأ الغرب إلى الفحم الحجري والطاقة النووية والغاز المسال بعد وضع عقوبات على روسيا.