د.خالد بن عبدالعزيز الشريدة
حتى يكتمل المعنى الذي أريد إيصاله للقارئ الكريم في هذا المقال جمعت مصطلحي (الإهمال والاستغلال) ليشكل منهجا لجمال وكمال حياتنا. ودعوني أبدأ بالقول: إن هذه المعادلة هي من الأهمية بمكان في حياتنا. فن الاستغلال ميزة ذكية ومهارة نوعية تغذيها خبراتنا في حياتنا الاجتماعية. وفن الإهمال.. كما الاستغلال صفة قيادية.. تعني بكل معانيها عدم إشغال نفسك بما يثقل عليك مسيرة نجاحك في حياتك. تَعلق في أذهاننا أو مشاعرنا مواقف تسرق منا وقتا كبيرا والنتيجة ليس الوقت الذي ضاع منا في (القلق والنكد) ولكن في مردود ذلك النفسي والصحي وانعكاسه على شبكة علاقاتنا المهمة. تصور واقعك بين مجموعة من الملفات فيها ما يعني دينك وفيها ما يعني أسرتك وفيها ما يعني وطنك وفيها ما يعني وظيفتك، وفيها ما يعني زملاءك وفيها ما يعني مجمل علاقاتك!! وفيها ما لا يعني لك شيئا وربما يعني ضررك أو تعطيل مصالحك، واعتبر ذلك ملف (الفيروسات). ودعوني أفصل شيئا ما عن بعض الملفات وأدع بقية التفاصيل كل حسب ما يملكه من فن الإهمال والاستغلال لها. أعظم فن في تقديري وهو الذي يجب ألا يمت للإهمال بصلة هو:
1- فن الإقبال على الله وما والاه
هذا الفن ليس له وقت محدد أبدا وهذه مزية له لا يمكن ان تجاريه أي الفنون الأخرى حيث إنه يشمل كل وقتك من لحظة يقظتك إلى منامك وقبل ذلك ويعده.. كل ثانية فيه يمكن أن تستغلها بتسبيحة أو تهليلة أو تكبيرة أو ذكر مبارك. وغرس هذا الفن هو بتعويد النفس على ذلك حتى تصبح عاداتها عبادات. المشكلة التي نحتاج لعلاجها هنا هي أننا نحتاج لاستحضار ذلك دائما.. فكلنا يغدو ويروح ويذهب لعمله ويقود سيارته ويمر به الوقت دون أن يستغله بذكرأو قراءة قرآن أو شيء يفيده في حركته أو جلسته!! أوقات جليلة تذهب بـ (الإهمال) دون (استغلال). تمتم بشفتيك بكلمات هي غراس الجنة (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر).
عود نفسك على الاستغفار والأذكار آناء الليل وأطراف النهار، وهذا الباب فيه من المقامات الكثيرة التي يهدى لها من يستحقها ويحرص عليها. وربما يصرف عنها من يغفل عنها.
2- وفي جانب الأسرة
تفعيل فن الإهمال والاستغلال يجب أن يكون روتين حياتنا. والإهمال يعني التجاهل أو الغفلة عن كل ما يقض مضجع الأسرة أو يؤثر على تماسكها.. في الوقت الذي نحتاج لاستغلال كل ما ينميها وينشر المودة في جنباتها.
كل لفتة حب واحترام لوالديك هي من أجمل فنون الاستغلال.. أن تجلس مع والدتك وتمازحها وترفع يديك بالدعاء لها.. وتسأل عن احتياجها وتقرب الأكل لها وتنتقي أجمل ما في الصحفة من تمر وفاكهة وحلا لتمدها إلى فيها أو يدها، كل ذلك جانب من الاستغلال الذكي الذي يعكس رقي شخصك وسلوكك. وبين حركات والدك تقبل يده في دخولك أو خروجك وتعبر عن برك بكل ما تملكه من ذكاء هو من أرقى فنون الاستغلال.
الإهمال المركب العجيب أن تنتظر من والديك كل العون والمساعدة.. ثم لا تعكس ذلك بجميل حبك وعشرتك..!! وللشباب والشابات أقول إن أسعد لحظات الوالدين أن يرياكم حريصين على أمرين: طاعتكم لله أولا والحرص على مستقبلكم ثانيا. وهنا تحسنون لهما في استغلال اوقاتهما بالهناء والطمأنينة. بل إن مقدار توفيق الأبناء هو بقدر برهم بالآباء. ولإخوتك وأخواتك أن تشعرهم بحرصك على اجتماعاتهم واهتماماتهم. وللأقربين استغلال كل معروف.. وإهمال كل ما يوغر النفوس. واللفتة الجميلة هنا هي أننا يمكن أن نمنح الناس فرصا لاستغلال أوقاتهم بما يسعدهم حينما نبادلهم سلوكيات الفرح ومشاعر السرور.
وجوانب الاستغلال والإهمال في جنب الأسرة والصلة لا حد لها برا وإحسانا وتوفيقا.
3-وفي حق الوطن كثير
وأهمها أن أعكس في شخصيتي وأستغل كل شيء يخدم سمعته ويعزز أمنه ووحدته.
وفن الإهمال هنا كثير وكبير حيث لا نكون أبواق جلد ونقد لمحاسن مجتمعنا وقيمه ومسلماته. تسمع في مجلس أو تقرأ في مقال ما يضر مكانته فلا ترخ له سمعك.
مارس فن الإهمال بكل جدارة.. أشعر من يريد أن يجرح وطنك بأنه لا يعني شيئا.. أشعره بمحاسن مواقفه وجلال مكانته.. إذا كان هناك من يريد نشر الداء.. فكن أنت ذلك الدواء. حينما يتحدث عن مظهر سوء تحدث أنت عن مظاهر الجمال. يجب أن نستغل فرص الحديث عن ترسيخ الوحدة لا الفرقة وأن نستبدل لغة (فسد وهلك الناس) إلى لغة (صلاح وإصلاح الناس). كن دوما مستغلا لمواقفك في الداخل أو الخارج سائحا أو ممثلا لوطنك بأن تشعر العالم بأنك من وطن الرسالة وتحمل أنت الرسالة. فَعِّل خاصية (الكتم) لكل من يريد أن يوصل لك رسالة سلبية عن دينك ووطنك.. أو يريد أن يوهن عزيمتك في أدائك لمسؤوليتك أو وظيفتك لخدمة وطنك.
4- وفي شبكة علاقاتك
علاقاتنا في الحياة تمنحنا فرصا كثيرة.. لكنها تحتاج الى فطنة وذكاء في كيفية استغلالها. الانعزال مجلبة للإهمال ومفسدة للاستغلال!! الحيوية والمرونة والفاعلية من أهم معززات الاستغلال لأنها تمنح فرصا لك في الحياة.
علاقاتنا إما أن تكون مغذية للإهمال أو مفيدة في الاستغلال.
استخدم علاقاتك في كل ما يفيد عز دينك وتنمية مجتمعك. نوعية الأصدقاء.. وطبيعة متابعتنا ومشاهدتنا للأشياء.. كلها إما أن تكون مهددة أو معززة لمعادلة الإهمال والاستغلال. هناك شخصيات يغذون فيك الاستغلال وهناك آخرون ينفخون فيك الإهمال.. تمسك بالصنف الأول واهرب من الصنف الثاني!! كما أن الشاحنات الخطيرة في الطرقات يكتب عليها (يمنع الاقتراب) اجعل هذه اللافتة معك للابتعاد عن الصداقات والبيئات التي ترسخ فيك الإهمال في حق دينك وأسرتك ووطنك. كل علاقة تشعر معها بالقلق والتكلف والإيذاء.. من الخلل أن يكون حقها الاستغلال.. وهي أهل للإهمال.. أهمل ذلك عاجلا دون تردد.. تكن وفرت أوقاتا لك لاستغلال جهدك ومالك ووقتك.
حديث معادلة الإهمال والاستغلال يطول وهذه بعض نماذجه لكنني أود أن يكون لنا منهج حياة ليكون ذلك أوفر لوقتنا وأسعد لحياتنا وآمن لمستقبلنا. وإذا كانت مظاهر الاستغلال إيجابية فإن أشنع مساوئها أن تستغل مكانك أو مكانتك للإساءة لعباد الله أو تشويه سمعتهم.. كما أن أجدى معاني الإهمال أن ترفض ما لا يعنيك ولا يعينك ولا يغنيك. وكل منا حسب فنون إهماله واستغلاله سيجعل من نفسه أكثر أثرا في حياته وتأثيرا في أسرته ومجتمعه ووطنه. دمتم أكثر استغلالا لكل ما فيكم وكل ما يعينكم ويعنيكم. حفظكم الله ورعاكم.. وأدام رضاه عليكم وأرضاكم.