د. تنيضب الفايدي
الربيع كلمةٌ تُطلَق على الأحوال المناخية المعتدلة، وتلمح إلى التجديد والانبعاث وإعادة النمو، ويرمز فصل الرّبيع لازدهار الطّبيعة؛ حيث تتفتّح فيه الأزهار، وتكتسي الأرض بالعُشب الأخضر، ويُصبح لون أوراق الأشجار أكثر نُضرةً، للربيع عند الشعراء والأدباء منزلة شامخة ومقام رفيع، إذ إنّ الربيع يوحي لهم ببدائع التصاوير والتعابير، فيحاول أن يتكلّم عنه بالشعر والنثر، أو بالقلم والقرطاس.
وقد اهتمّ الشعراء بالربيع اهتماماً كثيراً على مدى العصور الأدبية. وهذه أبيات رائعة لأبي تمام في وصف الربيع حيث يقول:
أولا ترى الأشياءَ إنْ هيَ غيرتْ
سَمُجتْ وحُسْنُ الأرْضِ حِينَ تُغَيَّرُ
يا صاحِبَيَّ تَقصَّيا نَظرَيْكُمَا
تريا وجوهَ الأرضِ كيفَ تصورُ
تريا نهاراً مشمساً قد شابهُ
زهرُ الربا فكأنما هو مقمرُ
دنيا معاشٌ للورى حتى إذا
حل الربيعُ فإنّما هيَ منظرُ
أضحتْ تصوغُ بطونها لظهورها
نَوْراً تكادُ له القُلوبُ تُنَورُ
مِن كل زَاهِرَة ٍ تَرقْرَقُ بالنَّدَى
فكأنها عينٌ عليهِ تحدرُ
وأثناء فصل الربيع توشحت مساحات واسعة في وطننا الغالي بالثوب الأخضر حيث تنبت الأزهار والورود لتعطي منظراً جمالياً أخاذاً، خاصةً الأودية و الجبال والمرتفعات، وقد ذكّرت الكاتب تلك المناظر ربيع العثياء، حيث تقع قرية العثياء جنوب الحناكية وتبعد عنها بحدود (25 كم) وكان الطريق بينهما صحراوياً، وتقع العثياء على أكمة قليلة الارتفاع وتحيط بها صحراء من جميع الجهات وتمت زيارة مدرسة البنين تقريباً في عام 1408هـ، وكنت موجهاً آنذاك للإدارة المدرسية مع عمل الاستمارات اللازمة لفتح مدارس جديدة، إما متوسطة أو ثانوية حسب الموقع أو مدرسة ابتدائية إن كانت هناك مواقع جديدة، وقد أطلعني مدير المدرسة على مبنى أعدّ على عجل لمدرسة ابتدائية للبنات يقع غير بعيد عن مدرسة البنين، وكما قلت سابقاً بأن الربيع يغطي جميع المساحات المستوية التي تحيط بقرية العثياء ولا حدود لمنظر الربيع الذي يشكل بساطاً أخضر وأفاد مدير المدرسة بأنه قد تم افتتاح مدرسة البنات ومعلمات مدرسة البنات عبارة عن معلمتين فقط وأفاد بأنهما من القاهرة مولداً ونشأةً وكان نصيبهما أن تكونا معلمتين لبنات العثياء، وأنهما تسكنان في غرفة مجاورة لمدرسة البنات ولا تخرجان من الغرفة إلا وهما معاً ومستخدمة المدرسة (الفرّاشة) تأتي إليهما لتطمينهما وتخفيف الخوف والرعب، وهذا الخوف والرعب كان بسبب (التماسيح الصغيرة) وهذا المسمى أي: التماسيح أطلق من قبل المعلمتين وتقصدان بذلك (الضبان جمع ضب)، حيث إنها توجد بكثرة حول العثياء خاصة في الربيع، ولاسيّما في ذلك الزمان!