ماجد الغانم
البعض يقول اترك عنك اللي قرأته في الكتب والنظريات ولا تنظر علينا ولا تتفلسف، وبعضهم يتفاخر بأن الحياة هي التي علمته وكأن الدراسة الجامعية لم تأتِ نظرياتها من الحياة في الأصل!! وكأنه لم يكن هناك علماء وكتب مهمون!! أم نحن قومٌ لا نقرأ، أو بالأحرى لا نحب القراءة؟ أقصد بالقراءة قراءة الشيء المفيد في مجال عملنا وتخصصنا وليس رواية أو كتب «تحفيز الذات». أو لأننا قد نتعرض للسخرية إن قرأنا في مجال عملنا وحاولنا تطبيقه؟ إذاً ما فائدة القراءة؟ بل ما فائدة الجامعة وخاصةً الشهادات العليا مثل الماجستير والدكتوراه في العلوم الاجتماعية مثل الإدارة والاقتصاد وعلم الاجتماع والعلوم السياسية وغيرها إن كنا لن نطبق نظرياتها في الممارسة؟ تشكيكات كثيرة قد يطرحها عليك الناكرون لأهمية الشهادات الأكاديمية الجامعية في العلوم الاجتماعية. فلا تثنيك هذه الأسئلة عن استكمال درجتك الأكاديمية!
التجربة بدون التعلم لا تكفيك ولا تعتبر أكثر وسعاً وعمقاً وشمولاً من الدراسة الأكاديمية. حتى الشهادات الاحترافية لاتكفيك ولا تعتبر بنفس شمول وعمق الدراسة الأكاديمية، لأن الشهادات الاحترافية مجرد برامج تجسيرية لتعليمك عن مجال لا تملك فيه شهادة أكاديمية وليس لديك الوقت للحصول على متطلبات القبول للدراسة الأكاديمية وانتظار القبول والالتزام الطويل والتفرغ. الشهادة الاحترافية هي نظريات ودروس مستفادة موثقة من تجارب وملاحظات عملية تتناول زوايا محددة من مجال معين، وليست بشمول وعمق وتوسع الشهادة الأكاديمية بنفس المجال، وخاصة الشهادات العليا كالماجستير والدكتوراه.
بصراحة، هناك بعض المحاولات لعزل النظرية عن التطبيق، وعزل الجامعات عن مكان العمل، وخاصة في حقول العلوم الاجتماعية مثل الإدارة العامة وإدارة الأعمال وإدارة الموارد البشرية وعلم الاجتماع والعلوم السياسية والاقتصاد وغيرها. وهذا لسببين:
- السبب الأول أن الإنسان عدو ما يجهل ولا يحب الجاهل بالأمر أن يرى أن هناك من هو أعلم منه في موضوع يرى نفسه فيه ممارساً وخبيراً.
- والسبب الثاني أن النظريات صريحة ولا تجامل ومثبتة دراسياً في بعض البيئات والثقافات وقد لا تماشي ميول وأهواء أولئك الممارسين.
وبالتالي بدلاً من محاولة تكييف النظريات وأخذ ما يفيد منها، يرمونها بالحجارة ويتهمونها بالفشل وعدم النفع وأنها فلسفة العلم بها لا ينفع والجهل بها لا يضر.
وأخيراً، إن الممارسة والنظرية في العلوم الاجتماعية دائماً يغذون بعضهم البعض منذ أصبحت العلوم الاجتماعية تُدرّس. والنظرية في الأصل ولدت من الممارسة والتجربة والملاحظة التي تم إثباتها من فرضية وتحولت إلى نظرية موثقة ويتم تحسينها وتطويرها باستمرار لتغذي الممارسة ثم تعود لتحسين النظرية وهكذا دواليك. وهذا لا يتم إلا بتعاون الممارسين مع الأكاديميين والعكس.
إن هذه الفجوة بين النظرية والتطبيق إن لم يتم معالجتها ويتم ضم الأيدي بين الممارسين في المنظمات والأكاديميين في الجامعات والمراكز البحثية فإنه سيقود لتخلفنا عن الركب العالمي. علينا كممارسين احترام العلماء ونظرياتهم في العلوم الاجتماعية والتكافل معهم ومع الجامعات والمجلات العلمية وجمع «النظرية» مع «التطبيق». وعلينا إدراك أن الاستغناء عن النظرية هو كالسفر دون بوصلة، وأن الممارسة الناجحة يجب توثيقها نظرياً وتبقى دروساً مستفادة. وعلينا أن نحرص على أن تكون منظمتنا منظمة متعلمة.