خالد بن حمد المالك
لن ينتهي الحديث عن جدة وما صاحبها من أحداث مهمة بانتهاء زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمملكة، وباختتام اجتماع القمة السعودي- الأمريكي، ومؤتمر قمة جدة للأمن والتنمية الذي ضم الرئيس الأمريكي ودول مجلس التعاون، وكلاً من مصر والأردن والعراق، فما أُنجز في يومين بين المملكة وأمريكا من جهة، وبين مجموعة القمة وأمريكا من جهة أخرى، لا يمكن أن يكفي الكلام عن أحداثه خلال اليومين الماضيين، فالقرارات والمواقف والنتائج، والتغيير في السياسات، والتعامل مع المستجدات بروح الفريق الواحد، كلها تجعل من قمتَي جدة تتصدران الأخبار والتحليلات والقراءات المختلفة إلى حين.
* *
هناك من سيحلل النتائج بحسب طبيعة استقبالات سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لضيوف بلاده، وبخاصة الرئيس الأمريكي، بكل حركاتها وسكناتها وأجوائها، وبحضور أو غياب الابتسامات، وطريقة السلام، وملامح الوجوه، قبل أن تستقر الأوضاع نحو مرونة أكثر في أسلوب التعامل، وإلى قرارات كان يظن البعض أنها خارج التفكير -مجرد التفكير- في تحقيقها.
* *
وما كان يقال عن العلاقات الفاترة، أو المتوترة، أو المرشحة لقطعها بين الرياض وواشنطن، قال عنها الرئيس بايدن قبل وصوله للمنطقة إن قطعها غير وارد، وإنما المطلوب تصحيحها، ثم زاد على ذلك بأن أمريكا ارتكبت أخطاء بتفريغ تواجدها في المنطقة لصالح الصين وروسيا، وأن هذا الخطأ يجب تصحيحه، وهذا الخطأ الأمريكي هو ما تم تصحيحه مع المملكة.
* *
كان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان واضحاً في مناقشاته مع الرئيس الأمريكي، فمع حرصه على تحسين العلاقات مع واشنطن، وزيادة زخمها نحو استمرارية التشاور والتنسيق بين الرياض وواشنطن، وزيادة التعاون في المجالات كافة، إلا أن ولي العهد أكد على ثوابت المملكة، وخصوصيتها، وأن لكل دولة قيماً مختلفة يجب احترامها وتفهمها، والمصالحة مع أمريكا لم تكن خارج هذا السياق.
* *
ويمكن القول إن ما حدث في جدة هي قمم محمد بن سلمان، فقد كان نجم هذه الأحداث بحضوره الذهني، وأسلوب تعامله، وانتصاره لقناعاته، وحرصه على الثوابت التي تقوم عليها سياسة المملكة، والعمل من جانب سموه على إنجاح ما سعى إليه القادة الذين جمعتهم عروس البحر الأحمر، دون تفريط بحقوق، أو تسامح مع ما يلحق الضرر بمصالح دولهم، في ظاهرة ليس لها ما يماثلها، وقد هندس لها الأمير الشاب محمد بن سلمان.
* *
رأس سمو ولي العهد قمتين نيابة عن الملك، وأجرى مباحثات ثنائية في يوم واحد مع تسعة قادة كبار، بينهم الرئيس الأمريكي، وظهر سموه نجماً مميزاً في جدة, وكان الوجه المشرق في وسائل الإعلام العالمية والإقليمية والمحلية، لا حديث عن زيارة الرئيس جو بايدن، ولا حديث حتى عن قمتي جدة، دون أن يقترن ذلك بالأمير محمد بن سلمان.
* *
اسمحوا لي أن أسمي قمة جدة للأمن والتنمية بقمة محمد بن سلمان للأمن والتنمية، فقد نال شرف قيادة هذه القمة بتوجيه كريم، وثقة لا حدود لهما من الملك سلمان، وكان في قيادته وإدارته لها في مستوى ثقة خادم الحرمين الشريفين، منذ الاستقبالات، وقبلها التحضير للقمتين، وحين جاء موعد الاجتماع، وها هو العالم يتعرف من جديد على هذه الزعامة الشابة والشخصية المبهرة التي اختارها سلمان بن عبدالعزيز لتكون هديته للوطن وللعالم.