د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
تأسيساً على أن التنمية الوطنية مهمة استراتيجية لا بد أن تتعاضد كل القوى الوطنية لتُقيم أوتادها؛ فقد أصبح حضور الأسرة السعودية في الوعي والتوجهات والخيارات التنموية مشروعًا وطنيًّا ومؤشرًا دامغًا على قناعة القيادة الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد مهندس التنمية الوطنية الصاعدة - حفظهما الله - وإيمانهما باستحقاق كبير للأسرة في بلادنا ودعمها؛ فقد حظيتْ تلك القوى بمقومات تلك المشاركة تعليمًا وتأهيلًا وكان ذاك في مستراد واحد للمرأة والرجل على حدٍّ سواء ففي الخطاب السعودي التنموي لا يوجد تحييد أو انحياز؛ بل منظومة متكاملة تستقطب الكفاءات السعودية؛ وتشترط تفصيلات من الوفاء تكون في وجدان كل مواطن للوطن الحبيب؛ وفي عهدنا الجديد انبجست فوق ثرانا شواهد تنموية مضيئة حينما تصدرتْ برامج ترقية واقع الأسرة السعودية بكثير من التفاصيل المحفزة؛ وحظيت منصة التنمية الاجتماعية في عمومها بفيض من الحراك التنموي الوطني؛ وكانت التنمية الاجتماعية في بلادنا قد اغترفتْ سنينًا من الاستراتيجيات والمبادرات نحو عمق الوجيب الاجتماعي وتشعبه ودوره في رصد المتغيرات والعثرات وجليل من الدعم من مؤسسات المجتمع المدني؛ وما زالت القيادة الرشيدة في بلادنا تعي ذلك الاتساع الكبير وتعي أيضًا أهمية دعم الدولة لمتطلبات المجتمعات التي تشكل الأسرة جلّها؛ فالمشاركة المجتمعية أصبحتْ مطلبًا وثيق الصِّلة بشرائح المجتمع؛ وأي تنظيم استراتيجي نحوها يعتبر تحوّلًا كبيرًا.
في خارطة الطريق نحو الوصول إلى تحقيق التوازن المجتمعي؛ وترقية مستوى الدعم الذي تقدمه مؤسسات القطاع الخاص الخيرية لشرائح مجتمعية مختلفة من خلال اعتماد استراتيجيات واضحة ومرنة ستكون بإذن الله ولودًا ودودًا بكل المنشآت الخيرية التي بسطت منابعها في كثير من المؤسسات والجمعيات الخيرية التي تستهدف الأسرة السعودية ذات الظروف المختلفة في حوائجها العينية وحاجاتها المعنوية؛ كما أن واقع التنمية الاجتماعية يتطلب غطاءً تنظيميًّا محكمًا يستطيع عبور كافة المنصات التي تدفعها القيم والمبادئ الإسلامية إلى التراحم والتآزر، فالحراك الخيري في بلادنا غزير وفير؛ فلا بد أن يمتد وينتشر وألا يقتصر على المدن الكبيرة فلعل آفاق التنمية الاجتماعية الجديدة تؤطر لمنصات انطلاق في المحافظات والقرى والمدن الصغيرة، وأن يُرقّى واقع لجان التنمية الاجتماعية المنتشرة إلى اتحاد جمعيات مجتمعية كبيرة تستهدف الشؤون الاجتماعية التي تدور في فلك الاحتياج المجتمعي المختلف والطارئ؛ وتدمج مهامها في ذات النطاق وفي ذلك تسهيل للوصول للمستفيدين وتحقيق لجودة الخدمة ودعم قوي لأهداف تلك الكيانات الصغيرة حين تجتمع، وإن تطلّب واقعها دعمًا بقدرات وطنية كأعضاء منتدبين من الحكومة خاصة في بداية اتحادها، كما نرقبُ بشغف وطني الالتفات إلى منصات الأسر المنتجة التي نجحت في صياغة مفهوم العمل الحر من داخل المنازل واستطاعت تشكيل بعض الكيانات التجارية الصغيرة إلا أن النمطية في تسويق المنتجات أثقلت كاهل كثير من تلك الأسر؛ فذلك الباب التنموي الأُسَري لا بد من دعمه إنشاءً وتسويقًا وتطويرًا لآليات عرضه، والاستفادة من البحث الاجتماعي في رصد صوره وتصنيف نشاطاته؛ واكتشاف القدرات ورصد الإخفاقات ومن ثم جبر العثرات وترقية النجاحات إلى مصانع منتجة تتسم وتتمتع بما تناله مصانع السلع الكبرى..
ويأتي التطوع حيث يُقبل الشباب، وتتلهف أرواحهم لاحتضان وجيب الدروب المجتمعية وإقالة عثراتها وحيث البذل والعطاء الذي تتبناه مجموعات كبيرة وأخرى صغيرة من الشباب غالبًا لصناعة محضن وبناء منصة اجتماعية تحتفي بفئة أو فئات من الأسر لها ظروفها الخاصة وكذلك عندما ينصت المتطوعون لصوت عقولهم في بعض مؤسسات المجتمع المدني وإلى أماكن تنزوي في الذاكرة فيتوشحون مفهوم التطوع لدعم ذلك القطاع؛ وكثيرة هي صور التطوع التي أرى الإعلام ينأى عنها فيخفتُ صوتها المجتمعي بينما هي عمل وأمل وقيم إيمانية وأهداف اجتماعية ووطنية نادت بها رؤيتنا الحضارية 2030 لتكون «ماركة مسجلة» وصورة ضوئية حضارية لبلادنا فأنشأت بعض قطاعات الدولة متكآت للتطوع، ورصدت جوائزها؛ ولكن التطوع بمفهومه المنتشر والممارس في المجتمع يفتقد إلى مرجعية تقويمية ترصد ما له وما عليه، فليت قطاع التنمية الاجتماعية في وزارة الموارد البشرية يتبنى ذلك وتوجد آليات توزيع مثالية لمن يرغبون في تقديم الخدمة التطوعية كأن توجد منصة إلكترونية تواصلية لتسجيل الراغبين في الخدمة التطوعية فهناك محطات تنتظر الغيث، وهناك وجيب مجتمعات تنتظر يدًا حانيةً، كما أن هناك مجموعات تطوعية صغرى لم يسعفها الأمل والعمل من الوفاء بالتزامها أمام المستهدفين لقلة العدد والعدة؛ وهناك مثلها تنتهج ذات الهدف فلو كان للجهة المختصة دور في إنشاء اتحاد للمتطوعين في كل منطقة ومحافظة، فمن السهل في بلادنا بناء الجسور وتوحيد الأهداف وصياغة إعلانات البدايات القوية المتينة.
ونعلم أن التنمية الاجتماعية عملية مشاركة في التغيير الاجتماعي ومن مستهدفاتها العميقة زيادة في استقرار الأسرة الاجتماعي والنفسي؛ كما تستهدف التحكم في القوى الاجتماعية ومقدراتها بشكل أفضل؛ والتغيير الذي ننشده مقصود حتمًا ويسير نحو النظام الاجتماعي الذي تحتاجه التنمية الوطنية، وفي بلادنا اهتم القائمون على تأطير المسارات التنموية بترقية البيئات البشرية والقدرات الذاتية للمجتمع والنواتج وبتوفيق الله بدأت تلوحُ راياتها في الآفاق!