د. تنيضب الفايدي
أمر الله سبحانه وتعالى بعدم الإفساد في الأرض حيث قال: {ولاتفسدوا في الأرض بعد إصلاحها}، والإفساد لا ينحصر في مكون واحد من مكونات البيئة والتي تمثلها الأرض وإنما يشمل ذلك كل المكونات بدءاً من التربة والماء والهواء والنبات والكائنات الحية باختلاف أنواعها. وقد تكرر النهي عن الفساد في الأرض في آيات عديدة، قال تعالى: {كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين} سورة البقرة الآية (60)، وقال تعالى: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون} سورة البقرة الآية (11).
ومن أنواع الإفساد في الأرض التلوث، وهو أنواع وأشكال، منها:
التلوث البيئي:
وهو إحداث تغير في البيئة التي تحيط بالكائنات الحية بفعل الإنسان وأنشطته اليومية مما يؤدي إلى ظهور بعض المواد التي لا تتلاءم مع المكان الذي يعيش فيه الكائن الحي ويؤدي إلى اختلاله. والتلوث البيئي أنواع مثل: التلوث الفيزيائي، والتلوث الكيميائي، والتلوث البيولوجي، وللتلوث البيئي أضرار بالغة مثل: المطر الحمضي، انقراض بعض النبات والحيوان، أكل طبقة الأوزون، ظاهرة الاحتباس الحراري، ظاهرة التصحر، عدم استقرار المناخ، حدوث الحرائق في الغابات عن طريق الاشتعال الذاتي، وغيرها من الأضرار.
التلوث الكهرومغناطيسي:
هو التلوث الناجم عن الموجات الكهرومغناطيسية التي تنتشر في الجو ويعتقد أن لها تأثيراً بصورة ما في عمل المخ والجهاز العصبي للإنسان وقد يسبب اختلالاً في التفاعلات الكيمائية التي تدور في الخلايا الحية.
التلوث النفطي:
يحدث التلوث النفطي عن طريق انسكاب النفط من السفن في مياه البحار والمحيطات، إما عن طريق بعض كوارث ناقلات النفط أو عن طريق آبار البترول داخل البحار أوبقايا مصافي النفط حول البحار، ويؤدي ذلك إلى تكوين طبقة على سطح الماء من النفط وتمنع تلك الطبقة وصول الأكسيجين وثاني أكسيد الكربون والضوء إلى الماء مما يؤدي إلى توقف عمليات التمثيل الضوئي التي تقوم بها النباتات المائية مما يؤدي إلى عدم تزويد مياه البحر بالأكسجين، كما تقوم تلك الطبقة بعزل حرارة الشمس للوصول إلى الأعماق ويؤثر ذلك على الكائنات الحية في البحار والمحيطات. وقد كثرت كوارث السفن في الأعوام الأخيرة مما أدى إلى زيادة التلوث النفطي في مساحات شاسعة من البحار والمحيطات وبعض الأنهار البيئة، مشاكلها وقضاياها وحمايتها من التلوث.
التلوث الإشعاعي:
الإشعاع هو نوع من الطاقة ذات السرعة العالية التي تحيط بنا وتؤثر علينا، وقد يصبح هذا التأثير مؤذياً في بعض الأحيان، والإشعاع يوجد في كل مكان: في الأرض وفي المباني وفي الغذاء والشراب حتى في الهواء الذي نتنفسه، وينتقل الإشعاع إما على هيئة موجات كهرومغناطيسية كالضوء وموجات الرادي والحرارة أو على هيئة أجسام إشعاعية نشطة والتي توجد في كثير من المواد مثل الصخور وغاز الرادون.
التلوث الإشعاعي النووي:
بسبب انتشار الصناعة النووية وتوسع استخدام الطاقة النووية وهي من أخطر الأشعة الضارة بالإنسان، مثل الأشعة المنبثقة من أشعة (تشيرنوبل) بالاتحاد السوفيتي سابقاً وتبقى آثار الإشعاع النووي مدة طويلة تتضرر منها الأجيال المتلاحقة، وتعدّ حادثة نووية إشعاعية في محطة تشيرنوبل والتي وقعت عام 1986م أكبر كارثة نووية شهدها العالم، بلغت الخسائر المادية ما قيمته أكثر من ثلاثة مليارات دولار أمريكي. وقد لقي 36 شخصاً مصرعهم وأصيب أكثر من 2000 شخص. وتم إغلاق المفاعل نهائياً عام 2002م. وتباينت التقديرات حتى الآن بشأن العدد الحقيقي لضحايا هذه الكارثة، حيث قدرت الأمم المتحدة عدد من قتلوا بسبب الحادث بأربعة آلاف شخص، وقيل: ثمانية آلاف، وتوفوا فيما بعد أكثر من تسعين ألف شخص نتيجة إصابتهم بسرطان الغدة الدرقية المميت. كما أشارت إحصائية رسمية لوزارة الصحة الأوكرانية إلى إن 2.3 مليون من سكان البلاد كانوا يعانون بأشكال متفاوتة من الكارثة. كما تسببت حادثة مفاعل تشرنوبل في تلوث 1.4 مليون هكتار من الأراضي الزراعية في أوكرانيا وروسيا البيضاء بالإشعاعات الملوثة.
وعقب حدوث كارثة تشرنوبل أعلنت السلطات الأوكرانية المنطقة التي وقعت فيها الحادثة منطقة منكوبة، وأقامت طوقاً حولها لمسافة قطرها ثلاثون كيلومتراً من مكان المفاعل، وأجلت أكثر من مائة ألف شخص من مساكنهم هناك. كما شملت الإجراءات التي نفذتها حكومة كييف دفن وتغليف المفاعل المعطوب بالخرسانة المسلحة، لمنع تسرب المزيد من الإشعاعات.
خلفت كارثة تشيرنوبيل العديد من الآثار الصحية والبيئية التي تركت أثراً واضحاً على المنطقة المحيطة بالمفاعل. بالإضافة إلى تداعيات إشعاعية، كانت الرياح في وقت الحادثة تتجه من الجنوب والشرق، مما أدى إلى انتشار الإشعاع في الشمال الغربي باتجاه بلا روسيا. في غضون ثلاثة أشهر من حادثة تشرنوبل.
وبعد تسرب الإشعاع في وقت قصير تم قطع العديد من الأشجار والغابات المحيطة بسبب مستويات الإشعاع العالية. وسميت المنطقة المحيطة بالمحطة النووية (الغابة الحمراء) وذلك لأنّ لون الأشجار تحول إلى لون زنجبيلي ساطع. في نهاية المطاف تم جرف ودفن الأشجار ضمن خنادق.
حادثة هيروشيما وناجازاكي:
كما أثرت أشعة القنبلتين النوويتين اللتين ألقيتا على هيروشيما وناجازاكي باليابان من قبل أمريكا في نهاية الحرب العالمية الثانية في أغسطس 1945م، قتلت القنابل ما يصل إلى 140000 شخص في هيروشيما، و80000 في ناغازاكي بحلول نهاية سنة 1945م، حيث مات ما يقرب من نصف هذا الرقم في نفس اليوم الذي تمت فيه التفجيرات. ومن بين هؤلاء، مات 15-20% متأثرين بالجروح أو بسبب آثار الحروق، والصدمات، والحروق الإشعاعية، يضاعفها الأمراض، وسوء التغذية والتسمم الإشعاعي، ومنذ ذلك الحين، توفي عدد كبير بسبب سرطان الدم والسرطانات الصلبة، تأتي نتيجة التعرض للإشعاعات المنبثقة من القنابل.
وهناك ثلاثة أنواع من الإشعاعات ترتبط بإنتاج القوى النووية ويمكن أن تكون لها آثار ضارة على الإنسان وهذه الأنواع هي: أشعة ألفا Alpha Ray / أشعة بيتا beta Ray / أشعة جاما gamma Ray جهاز شؤون البيئة.
أما اليوم فكثيرٌ من الأسلحة النووية أكبر بمقدار 30 مرة من الأسلحة التي استخدمت في هيروشيما وناجاساكي، وإذا استخدمت تلك القنابل النووية سوف تسخن الأرض الواقعة تحت بؤرة الانفجار لتبلغ درجة الحرارة حوالي 7000 درجة مئوية، وهو ما يجعل جميع الكائنات الموجودة في تلك المنطقة تتحول إلى بخار.
التلوث الصوتي:
تتسبب الضوضاء بأضرار نفسية وعصبية وفيزيولوجية كإحداث الضرر بالقدرة على السمع والتسبب باضطرابات نفسية في صورة قلق وارتباك أو حدوث اضطرابات، فالضوضاء تسبب حوالي 50% من الأخطاء الميكانيكية مما يعادل 20% من الحوادث المهنية.
التلوث بالنفايات:
النفايات هي المواد المتبقية من عمليات الإنتاج أو المخرجات التي لا يُوجد لها قيمة في السوق، وبشكلٍ عام يُوجد أنواع مختلفة، وهي: النفايات السائلة، والغازية، والطبية، والإشعاعية، والصلبة. وتقسم النفايات إلى عدة أقسام تتضمن ما يلي:
- النفايات الخطيرة وهي بصفة رئيسية نفايات صناعية. وتشمل مخلفات التصنيع والتعدين ونفايات احتراق الفحم، ونفايات إنتاج النفط.
- النفايات البلدية الصلبة: القمامة والأزبال المتولدة عن المنازل والمؤسسات المرتبطة بها.
- النفايات المشعة: هي النفايات التي تعطي نشاطاً إشعاعياً. إضافة إلى ذلك هناك ظواهر متعددة تسببت في اختلال نسب الهواء، ومنها حرائق الغابات والحرائق الناتجة عن القمائم وغيرها مما تسبب إلى زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون إضافة إلى ظواهر أخرى.
بعض علاج التلوث:
- الوعي الذاتي لدى الشخص لأن التلوث ينذر بفنائه.
- وقف تراخيص مزاولة النشاط الصناعي الذي يدمر البيئة.
- تهجير الصناعات الملوثة للبيئة بعيداً عن أماكن المدن.
- تطور أساليب مكافحة تلوث الهواء.
- تطوير وسائل التخلص من القمامة والنفايات وخاصة عمليات حرق النفايات في الهواء الطلق.
- القيام بعمليات التشجير على نطاق واسع للتخلص من ملوثات الهواء وامتصاصها.
- الكشف الدوري للسيارات ومراقبة عوادمها.
- اللجوء إلى الغاز الطبيعي كإحدى مصادر الطاقة البديلة عن مصادر الطاقة الحرارية.
-معالجة التلوث النفطي بإضافة مذيبات كيماوية لترسيبه في قاع لمياه.
- إقامة المحميات البحرية التي تشتمل على كائنات بحرية نادرة مهددة بالانقراض.
- اللجوء إلى استخدام المبيدات العضوية والموارد الطبيعية والابتعاد عن المبيدات الكيماوية.
- الاحتياط المبالغ في استخدام الطاقة النووية.