خالد بن حمد المالك
في مقال الرئيس الأمريكي جو بايدن في صحيفة (الواشنطن بوست) قبل 48 ساعة من انطلاق طائرة الرئاسة الأمريكية (برفورس وان) عن زيارته إلى المنطقة لم يقل في عنوان مقاله لماذا أنا ذاهب إلى إسرائيل، فهي من «حمام الدار» وبالتالي فلا معنى للسؤال، لأن الجواب حاضر ومعروف، ولم يقل لماذا أنا ذاهب إلى القمة مع دول مجلس التعاون وكل من مصر والأردن والعراق، فليس لهذه القمة ما للسعودية من أهمية في طرح السؤال إياه.
* *
ربما زاد من أهمية طرح السؤال عن زيارته إلى المملكة تلك التداعيات التي كانت رافقت حملة بايدن الانتخابية، ثم فوزه بالرئاسة، وما رافقهما من كلام وتصريحات سلبية بحق المملكة، وتجاوب لدى بعض القوى السياسية والمسيسة والإعلام مع ما كان ردده الرئيس الأمريكي قبل أن يقوم غدًا بزيارة رسمية للمملكة، ويعقد على أرضها قمة مع دول مجلس التعاون بمشاركة مصر والأردن والعراق.
* *
إذًا, لماذا يزور الرئيس الأمريكي المملكة مخالفًا كل ما كان يقوله من تصريحات، متجاهلاً تلك العلاقات التاريخية والإستراتيجية بين المملكة وأمريكا، ومفضلاً أن يعيد هذه العلاقات إلى ما هو أدنى من عمرها الذي بلغ ثمانين عامًا منذ أول لقاء بين ملك المملكة العربية السعودية عبدالعزيز آل سعود ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية الراحل روزفلت، وإن قال الرئيس إنه يريد إعادة توجيهها؟.
* *
الجواب لا يحتاج إلى مزيد من التفكير، فالمملكة خيار إستراتيجي لكل الدول، وليس لأمريكا فقط، مساحتها، وعدد سكانها المتنامي، ووجود الحرمين الشريفين على أراضيها، وهي قبلة أكثر من مليار ونصف المليار مسلم، موقعها الإستراتيجي، ونفطها الذي يحرك اقتصاد وصناعات العالم، وهي ضمن مجموعة العشرين الأكثر تمتعًا وتأثيرًا في الاقتصاد والصناعة.
* *
وتاليًا فالمملكة لم تكن تتعامل معها أمريكا بالشيك الأبيض كما زعم وزير خارجيتها، وليس لواشنطن الفضل في السلاح الذي تزود به قواتنا المسلحة، لأن الرياض تدفع قيمته من خزينتها، وليس هبة حتى تمن به على بلادنا، ودول العالم تخطب ود المملكة لتكون ضمن مزودي جيشنا بحاجته من السلاح والعتاد، طالما أنها تدفع قيمته بالعملة الصعبة.
* *
والمملكة كما جاء في مقال الرئيس مجاريها المائية ضرورية للتجارة العالمية، وسلاسل التوريد التي تعتمد عليها، ومواردها من الطاقة حيوية للتخفيف من التأثير على الإمدادات العالمية للحرب الروسية في أوكرانيا، وغير ذلك من مبررات ساقها الرئيس ليبرر لمنتقديه سبب زيارته للمملكة.
* *
إذاً لماذا يزور بايدن المملكة، خلاف ما كان يعلنه خلال حملته الانتخابية، وحين فاز بالرئاسة، وحتى وهو في البيت الأبيض، الجواب أن المملكة ليست دولة هامشية، وإنما هي قوة اقتصادية وسياسية، ولها وزنها الكبير أمنيًّا وعسكريًّا، وما من دولة في العالم إلا وتحرص على أن تكون على وفاق مع المملكة، وعلى أحسن العلاقات معها، فكيف بأمريكا لا تكون كذلك؟.
* *
وليس عبثًا أن يتراجع أي رئيس دولة عن مواقفه إذا ما تبين له خطأ التقدير، أو أن المصالح المشتركة تقتضي منه ذلك، وهو ما فعله الرئيس بايدن، رغم الحملة الشرسة التي تعرض لها من بعض السياسيين والإعلاميين في بلاده لثنيه عن القيام بالزيارة، وهو ما يحاول في مقاله أن يوضح لهؤلاء مبرر الزيارة، وإن كان ذلك بأسلوب استرضائي تميز به المقال.
* *
وفي المقال يشير الرئيس الأمريكي إلى أن هدفه ليس قطع العلاقات مع المملكة، وإنما إعادة توجيهها، وأنه عندما يلتقي بالقادة السعوديين غداً سيكون هدفه تعزيز شراكة استراتيجية للمضي قدماً، تستند إلى المصالح والمسؤوليات المشتركة، وهو كلام جميل، وكأنه بذلك يعود إلى عقود ثمانية من العلاقات المتميزة بين الرياض وواشنطن، بعيداً عن آراء أولئك الذين لم ينفكوا عن محاولاتهم لزرع الخلافات والفتنة بين دولتينا بكيل التهم غير الصحيحة بحق المملكة، وبين هؤلاء قوى سياسية وإعلامية أمريكية لم يكونوا متفقين مع الرئيس في زيارته للمملكة.
* *
أتمنى ألا تكون طموحات الرئيس بايدن عالية وبحجم ما ورد في مقاله، فمن خبرتي المتواضعة لا أتوقع أن يكافأ الرئيس على هذه الزيارة بهدايا وتنازلات تتجاوز مصلحة المملكة، وامتداداً مصالح دول مجلس التعاون، وكما يبحث الرئيس الضيف عن مصالح بلاده، فإن المملكة ودول المجلس ليس في وارد قادتها التفريط أو التنازل عن أي من مصالحها من أجل التأكيد على حسن الضيافة العربية، فمصالح الدول خط أحمر تلتزم به الدولة الضيف والدولة المضيفة، وأما كرم الضيافة العربية فشيء آخر.
* *
أهلاً بالرئيس جو بايدن في المملكة، فالعلاقة السعودية - الأمريكية تحكمها أجندات مشتركة، وقواسم مماثلة، وأي قفز يكون مضرًا بهذه العلاقات، إنما يمس هذا الضرر واشنطن والرياض معًا، وهو ما ينبغي أن يتجنبه القادة في كل من الدولتين، وحذار أن تفكر أمريكا من موقع القوة أن تملي شروطها على دولة كالمملكة، وعلى ملك كسلمان، وعلى ولي عهد كمحمد بن سلمان، لأن مثل هذه الإملاءات لن يكون لها من قبول إلا في أوهام الإعلام المسيس، وذوي الأهداف المرفوضة سلفًا، فالمملكة لها كبرياؤها، وتتمسك بثوابتها، وسياساتها، وصوتها ومواقفها أقوى من أي محاولة لهزمها.