د. عبدالرحمن بن حمد السعيد
عندما يغادر عالمنا الفاني أخ أو صديق فإنه يأخذ معه شيئاً منا، بوفاته ينقطع شريط الذكريات، ويموت جزء من الذاكرة، وإن لم ننقص عدداً فإننا نقل وزناً، ذلك الفقد جزء من حياتنا، ولن يعود.
الذي ذهب أخذ معه أجزاء لا تعوض، هكذا شعرت وأنا أتلقى صدمة انتقال الأخ الحبيب والصديق جاسر المحمد الجاسر.. فمنذ عرفت نفسي عرفته.. جمعتنا القرابة القريبة، والأحلام المشتركة، والأحاديث التي لا تنتهي.
أتذكر كيف كنا نذهب بالطعام لبيوت الأقارب سوياً.. نتجول في شوارع بريدة شبه الفاضية نهاراً.. المظلمة ليلاً.. كنت تعرف كل جيرانك ومن في حيك، وربما معظم أهل المدينة.
شهدنا معاً كل تغير طرأ في هذه الحياة عندما كانت الجمال وسيلة التنقل الوحيدة.. وعايشنا دخول وسائل الحياة الحديثة لمدينتنا ووطننا.. وحتى عندما ذهب للدراسة في ألمانيا وذهبت للولايات المتحدة، كل أصحابه تقريباً أصبحوا أصحابي.. شقيقه سليمان كان شقيقي.. وشقيقي محمد كان شقيقه.. وهكذا مع بقية العائلة صغاراً وكباراً.. حتى إجازاتنا كنا نقضيها سوياً.
سنوات طويلة قضيناها جيراناً في القاهرة والإسكندرية وبيروت ودمشق... انتقل هذا النمط في العلاقة لعائلاتنا.. فقد كانت أم محمد بالنسبة لي أختاً غالية.
لم يكن جاسر كثير الكلام بل هو إلى قلته أقرب.. هادئاً.. كان محباً للخير بدون ضجيج... لم يتخلَّ عن قريب.. صبوراً.. محباً.. صديقاً للجميع.. نجح في مهمة هي اليوم من أصعب المهام.. فقد كوّن عائلة متماسكة صالحة ناجحة... وأسس عملاً مبكراً باهراً، شركة تعمل في مجال الكهرباء، وقد حققت نجاحاً.
كنت ألجأ إليه، وسأفتقد ما بقي لي من عمر أخاً حبيباً وعقلاً راجحاً عندما أكون بحاجة لمشورة.. وصحبة لا يكدرها اللهاث وراء أمر من أمور الحياة.. وأحمد الله أنني تمتعت بصحبته في الفترة الأخيرة من عمره بشكل شبه يومي.
أسمعته الكثير مما في خاطري، وسمعت منه الكثير مما يجول بخاطره، وقد كان هذا مفيداً ومريحاً لكلينا، وهو لا يعوض.
رحمك الله يا أبا محمد، وأحسن عزاء أختي الغالية أم محمد، وأخي وابني محمد وأخواته، وأحسن الله عزاء أخي معالي الدكتور محمد السليمان الجاسر وإخوانه وأخواته.
اللهم اغفر له وارحمه، وتقبل صالح أعماله.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.