د.إبراهيم بن عبدالله المطرف
يعلم المواطن السعودي والأمريكي مقدار حرص القيادتين في بلادهما على تعزيز العلاقات بين البلدين، كيف لا، وهما الشريكان الإستراتيجيان، اللذان يربطهما تاريخ طويل من الصداقة، وعلاقة تعود إلى عهد المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله- والرئيس روزفلت.
ولقد جاءت زيارة الملك سلمان إلى الولايات المتحدة في سبتمبر 2015 لتتوج زيارته لها عام 2012، ورغم مجيء تلك الزيارة في ظل ظروف سياسية واقتصادية وجيوسياسية بالغة الأهمية، إلا أنها، نتيجة لما يوليه الملك سلمان من حرص، عززت العلاقات التاريخية بين البلدين، تلك العلاقة التي يمكن النظر إليها على أنها من بين أهم علاقات المملكة الخارجية، حيث تعود دبلوماسيًا إلى مرحلة التنقيب عن النفط في الثلاثينيات الميلادية، المرحلة التي أسفرت عن اكتشاف أعظم احتياطي من النفط في العالم المعاصر، ذلك الاكتشاف الذي أدى إلى تحول اقتصادي واجتماعي سعودي مذهل.
ويؤكد واقع العلاقات السياسية الخارجية السعودية الأمريكية، على أنه رغم ما شهدته العلاقة من توترات في فترات زمنية متفاوتة، إلا أنها بقيت علاقة شراكة إستراتيجية واضحة المعالم، ما أدى إلى تأكيد المحللين والمراقبين في الشئون السياسية والدبلوماسية الدولية، بأن تلك الأزمات والتوترات هي التي ساعدت على تحصين العلاقات، إدراكًا من قادة البلدين بأن المصالح المشتركة لا تجيء إلا عبر الرؤى المتقاربة وإن لم تكن متطابقة.
ويمكن النظر إلى علاقة المملكة بالولايات المتحدة على أنها تمثل ركنًا أساسيًا في السياسة الخارجية للبلدين، فالمملكة تتمتع ومنذ ما يقرب من الثمانين عامًا بعلاقات مميزة مع الولايات المتحدة من جهة، والأخيرة تمثل أكبر قوة سياسية واقتصادية وعسكرية وتقنية في العالم من جهة أخرى، إضافة لكونها تحتل وضع شبه أحادي في إدارة الشؤون الدولية، ما يعني أن المحافظة على تعزيز العلاقات بها أمر مطلوب على كل المستويات والأصعدة.
ونجده من المناسب التنويه هنا، عن حقيقة أن الرئيس جو بايدن ليس غريبًا عن العلاقات السعودية الأمريكية، فهو سياسي أمريكي مخضرم ومتمرس، عاشر العمل التشريعي والسياسي لما يقرب من الأربعين عامًا. وكان ناشطًا في الشئون الدولية على وجه الخصوص، حيث رأس أحد أهم لجان مجلس الشيوخ هي لجنة الشئون الخارجية، وعاصر العمل السياسي التنفيذي نائبًا للرئيس لأعوام ثمانية.
لقد تمكنت المملكة، ومن خلال الكثير من الجهود التي بذلتها الأجهزة الحكومية المختلفة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، من إعادة ترتيب علاقاتها الرسمية بالولايات المتحدة الأمريكية، وهي العلاقة المميزة التي شوهتها تلك الأحداث المؤلمة.
ويأتي التعاون السعودي الأمريكي تحت مظلات سياسية واقتصادية، ولكل من الأجهزة الرسمية والقطاع الخاص دور في تنميتها وتعزيزها في القطاعات الدبلوماسية، والأمنية، والعسكرية، والنفطية، والتجارية والاستثمارية وغيرها.
وللبعد السياسي في العلاقات بين البلدين دور حيوي في تطويرها، ويرى الكاتب، أنه من الإنصاف، أن نصف العلاقات السعودية الأمريكية بحجر زاوية في سياسة البلدين، فالعلاقات والصداقات الثنائية أصبحتا أكثر قوة ونضجًا عبر السنين، فالجانبان لهما أهداف متماثلة فيما يتعلق بالكثير من التحديات التي يواجهها المجتمع الدولي، وتحاولان أن توجدا حلولاً للمشاكل وتحقيق السلم والأمن في المنطقة، معتمدتين على قيمهما المشتركة. ولذلك، فإن التطورات في المنطقة لم تغير طبيعة العلاقات الأساسية بينهما.
ويتضح التقارب بين الجانبين من خلال الجولات والزيارات الرسمية للمسؤولين الأمريكيين في المنطقة والإقليم بين الحين والآخر، والتي مثلت الرياض محطة أساسية في كثير منها عبر السنين، ما يؤكد الإرادة المشتركة للمحافظة على العلاقات، على أساس من التكافؤ والاحترام المتبادل. وفي هذا الإطار، فإن الجانبين يؤكدان دومًا على التحالف بينهما، رغم بوادر سوء الفهم، الذي يحدث بين الفينة والأخرى.
وللبعد الاقتصادي دور مهم في تعزيز العلاقة بين البلدين، فقد عززت الولايات المتحدة التوجه الإصلاحي الاقتصادي للمملكة، من خلال التعاون الثنائي بين المؤسسات الرسمية المختلفة ومجالس الأعمال وقطاعاتها ولجانها. وقد تمثل برنامج الإصلاح الاقتصادي السعودي في إستراتيجية ثابتة وضامنة لاستمرار الأداء الاقتصادي المستقبلي، من خلال تعزيز الهيكلة الاقتصادية في مجال المصارف والطاقة، والاتصالات والتعليم والدفاع، والأمن والخدمات الاجتماعية، وإصلاح مناخ الاستثمار وتعزيزه، لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.
وهناك تعاون اقتصادي سعودي أمريكي كبير جدًا في المجالات التجارية والصناعية والاستثمارية وغيرها، والتي نتج عنها التأسيس للعديد من المشاريع السعودية الأمريكية الاستثمارية المشتركة.
وجاءت رؤية 2030، لتضيف بُعدًا جديدًا للعلاقات، وعاملاً محفزًا لمزيد من التعاون الاقتصادي، في ظل المشاريع العملاقة التي استحدثتها برامج الرؤية، والتي كان آخرها إطلاق The Line، أحد مشاريع نيوم العالمية العملاقة.
ومن هذا المنطلق، يؤكد الكاتب أن ثقل الاقتصاد السعودي، وحجم برامجه ومشاريعه وقنواته، قد لعب دورًا حيويًا، وشكَّل ركيزة أساسية بارزة في نمو الجوانب المتعددة للعلاقات، تحت مظلة رسمية ممثلة بـ»لجنة الحوار الإستراتيجي».
وحيث إن القيادتين تتطلعان دومًا إلى تعزيز العلاقات بين بلديهما، فإنه من الأهمية بمكان أن توضح كل منهما خلال اللقاء الرسمي القريب وبشفافية، رؤاها السياسية والاقتصادية التي ترى أن العمل بها ممكن، تطويرًا للعلاقات المستقبلية.
وفي هذا الإطار، يرى الكاتب أن من بين ما ينبغي أن يوضح، يشمل ولا يقتصر على «رؤى» البلدين المتعلقة بالقضايا والمستجدات الإقليمية والدولية، «والرؤى» المتعلقة بالطريق الأمثل لتعزيز التعاون في إنجاح الجهود ذات العلاقة بتلك القضايا، «والرؤى» التي تمكن البلدين من رسم مستقبل علاقاتهما السياسية والأمنية والاقتصادية، «والرؤى» الخاصة بالأوضاع الراهنة في المنطقة وكيف يمكن التوصل لحلول لها، «والرؤى» المتعلقة بالملف النووي الإيراني الذي يمثل قلقًا عسكريًا وأمنيًا كبيرًا لدول مجلس التعاون.
وأخيرًا وليس آخرًا «الرؤى» المتعلقة بتعزيز العلاقات بين البلدين وفق الإستراتيجية المستقبلية للعلاقات الثنائية، التي سبق وأن طرحتها المملكة بعد مجيء الملك سلمان للحكم، والتي أطلق عليها الجانبان «إستراتيجية القرن الحادي والعشرين للعلاقات السعودية الأمريكية»، وهي العلاقات التي تمكن القادة في الجانين من المحافظة عليها لثمانين عامًا من الزمن، أو يزيد قليلاً.
لقد نمت العلاقات السعودية الأمريكية عبر السنين على نحو متميز، وشهدت تطورًا مستمرًا، ومرت بمنعطفات ومراحل ومحطات مهمة، أدت إلى تقويتها، حتى شكلت العلاقة لدى البلدين، أحد أبرز محاور سياساتها الخارجية، من حيث الأهمية والأولوية، ولا يختلف اثنان على أنها علاقات متعددة الجوانب، تتسع لتشمل فضاءات مختلفة، سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، وأنها علاقات يزداد توسعها يومًا بعد يوم.
فهل تخرج محادثات جدة «المرتقبة» بين الرئيس جو بايدن والملك سلمان وسمو ولي العهد بما «يعزز» العلاقات الثنائية، وهل تنتهي إلى صفحة جديدة من «الأسس» التي تساعد على تطوير العلاقات بشكل أكثر شفافية وعمقًا ومتانة، وهل تنتهي تلك المفاهمات إلى أسس «تبني» على ما أسَّس له الملك عبدالعزيز والرئيس روزفلت. وهل تنتهي التداولات والمناقشات لعلاقات إستراتيجية «واقعية» طويلة المدى، تعيد لتلك العلاقات الدافئة «بريقها» وللسياسات الثنائية والمصالح المتبادلة «مكانتها».
فنحن نتحدث عن علاقات إستراتيجية تأتي في خضم مرحلة مهمة من علاقات البلدين، مرحلة يسود مناخها العالمي الكثير من المستجدات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والتقنية. ولا شك في أن أي تطور إيجابي في علاقات البلدين المستقبلية سيرحب بمجيئه الكثير من الشرائح والمكونات التشريعية والأكاديمية والثقافية والإعلامية والتجارية والاستثمارية والشبابية السعودية والأمريكية.
وأختم بما جاء على لسان الرئيس جو بايدن في مقالة له نشرت مؤخرًا تحت عنوان «لماذا أذهب إلى المملكة» أكد فيها «أن المملكة كانت دومًا ومنذ ثمانين عامًا شريكًا إستراتيجيا، مثمنًا دورها في كثير من القضايا الإقليمية».