د. تنيضب الفايدي
سبق أن قدّم الكاتب معلومات تاريخية وافية ومتكاملة عن ميناء الجار ونشر في جريدة الجزيرة، وهناك طريق بحري ما بين ميناء العقير على الخليج وميناء الجار على البحر القلزم (البحر الأحمر)، وهذا الطريق يشمل البصرة، البحرين، عدن، جدة، والجار، لذا سيتم توفير المعلومات عن العقير ومينائها، فقد عرفت المنطقة الشرقية بتاريخها الموغل في القدم حيث وجدت دلائل تشعر إلى الاستيطان البشري في المنطقة من العصور الحجرية وتعددت المواقع التي وجدت بها تلك الدلائل، كما شهدت المنطقة والتي كانت تعرف بالبحرين عدة حضارات، ويدل على ذلك عدة مواقع بالمنطقة الشرقية مثل تاروت، دارين وجواثا، ودخلها الإسلام مبكراً حيث إن مسجد جواثا من المساجد الأولى أسست في العام الأول الهجري، كما اشتهرت المنطقة الشرقية بذكر ميناء العقير، حيث تشير الوثائق البريطانية إلى أن العقير لم يكن قرية أو مدينة سكنية بقدر ما كان ميناءً تجارياً وحصناً عسكرياً لحماية السفن والبحارة والبضائع التجارية التي كانت تملأ جنباته.
الموقع:
يقع العقير في أقصى شمال شرق محافظة الأحساء، على خليج صغير داخل الخليج العربي الكبير في منتصف خليج سلوى تقريباً، ويبعد مسافة أربعين ميلاً عن الهفوف. ويعد الواجهة البحرية التاريخية الأساسية للجزيرة العربية على الخليج، لطالما كان صلة الوصل بين الصين والهند وبلاد فارس مع الجزيرة العربية والشام ومصر وما حولها.
تسمية العقير:
تذكر المصادر العربية أن العقير لغوياً تصغير العُقر، ويصح ضم أوله أو فتحه، وهو الفرجة بين شيئين. (معجم البلدان للحموي)، وورد أنه (القصر)، وقيل القصر المتهدم بعضه أو القصر المعتمد لأهل القرية، وهناك من فسّر معنى كلمة (العقير) بأنها تعني الشيء المبتور بدلالة أنه مدخل صغير مقطوع من ساحل الخليج العربي. وينسب اسم العقير إلى قبيلة «عجير» أو «أجارو» أو «عجيرو» وذكرت هذه القبيلة ضمن نص كتابي بالخط المسماري منقوش على لوح حجري عثر عليه أسفل أساسات جدران مسجد قديم بدولة البحرين التي سكنت المنطقة الشرقية في الألف الأول قبل الميلاد، ويحتمل أن الاسم حُرّف إلى «عقير» بسبب عادة في اللهجة الخليجية بإبدال بعض الحروف، ومنها إبدال حرف القاف بحرف الجيم، فيقال: عجير بدلاً من عقير، وقد ذكر اسم عقير في المصادر الكلاسيكية أجير بسبب عجمة المؤرخين حيث يصعب عليهم نطق حرف العين، لذلك جاء عجير على أشكال مختلفة. يقول هنري رولنسون عالم المسماريات: أجارو أو عجارو أو عجيروا وهو الميناء المعروف بالعقير أو العجير الذي يقع بالجهة المقابلة من الساحل الشرقي لشبه جزيرة العرب وكان موطناً أصلياً لهذه القبيلة أعطوه اسمهم وأعطاهم اسمه.
تاريخ ميناء العقير:
تاريخ ميناء العقير قديم، لكنه غير معروف على وجه الدقة، ويرجع العديد من المؤرخين بناءه إلى 600 عام قبل الميلاد، أي في زمن الجرهائيين الذين استوطنوا المنطقة واشتهرت مملكتهم بالملاحة والتمرس في علم البحار. (صيد الذاكرة الباصرة من آثار الوطن الحبيب قائمة أو داثرة للدكتور/ تنيضب الفايدي ص313)، وكان سوقاً مهماً ورئيسياً من الأسواق التجارية القديمة المطلة على الخليج من الناحية الغربية في فترة ما قبل الإسلام، كان شاطئ العقير قبل النفط الميناء الرئيسي للأحساء وللمناطق الداخلية من الجزيرة العربية، ووسيلة الاتصال بالعالم الخارجي لما وراء البحار الهند والصين، يقول الحموي في كتابه معجم البلدان: « العقير قرية على شاطئ بجوار هجر، وتبعد عن الهفوف عبر الطريق البري التجاري القديم حوالي 40 كيلاً». كما وصف صاحب المناسك الحربي ميناء العقير بأنه فرضة الصين وعمان والبصرة وهي من منابر البحرين».
ويصف العقير الريحاني الذي زار الميناء في مطلع القرن العشرين قائلاً: «إن العقير ليس مدينة أو قرية، ولا هو حتى مضرباً من مضارب البدو، وإنما اسم لقصر من قصور عرب الصحراء، ولجمرك من جمارك نجد، ومنه يبدأ الطريق إلى الأحساء، وعلى الرغم من أن العقير لم يكن الميناء الوحيد للأحساء على الخليج العربي فإنه كان ميناءها الرئيس، وتفوق تجارياً وبحرياً على موانئها البحري في القطيف والجبيل». ويشير فيلبي إلى أنه على الرغم من تعدّد موانئ الأحساء على الخليج العربي فإن ميناء العقير ظل وحده حتى أواخر الحرب العالمية الأولى ينقل ما لايقل عن نصف إجمالي تجارة الأحساء وجنوب نجد على أقل تقدير، وقد تفوق النسبة ذلك الحد بكثير، إلا أنه لا يمكن الجزم بهذا في ظلّ ندرة الإحصاءات الدقيقة».
أسباب اضمحلال ميناء العقير:
ذكر لي الباحث في الآثار ولاسيّما آثار المنطقة الشرقية الأستاذ/ عبد الناصر الهتلان بأن دور العقير التاريخي والحضاري استمر إلى عام 1377هـ وبعد أن عقدت اتفاقية التنقيب عن النفط، وبدأ العمل في إنشاء ميناء الدمام وخط السكة الحديد وبدأ البحث عن طريق أقرب وأسهل لمصادر النفط المكتشف آنذاك، بدأ اضمحلال ميناء العقير.
الطريق الداخلية التي ترتبط العقير:
يعدّ الطريق التجاري البري القديم والذي يرتبط بميناء العقير من أهم الطرق التجارية الداخلية في الجزيرة العربية إذ يعتبر المنفذ الرئيسي الوحيد الذي يطل بهجر على الساحل الشرقي للجزيرة العربية، حيث كان العقير الميناء التجاري المهم والوحيد لتجارة التوابل والتمور من وإلى الجزيرة العربية لذلك كان لهجر أهمية خاصة من أرض الجزيرة العربية وذلك لخصوبة أرضها وتوفر المياه فيها، بالإضافة إلى كونها ملتقى للطرق التجارية الهامة والتي تربط الجزيرة العربية بالشرق وشرق أفريقيا. لذا فالعقير من أهم موانئ شرق الجزيرة العربية إذ يقع على امتداد الطريق التجاري القديم الذي يربط الفاو من جنوب الجزيرة بهجر مروراً بواحة يبرين ثم مواقع حرض ثم مواقع فصيلة ثم مواقع هجر. وأطلق على هذا الطريق اسم الدرب السلطاني.
العقير وعلاقتها التجارية:
كانت العقير لها علاقة تجارية مع اليمامة حيث تصدر المنسوجات الهجرية إليها، كما كانت لها علاقة تجارية مع بلاد الحجاز فكانت المدينة المنورة مركزاً رائجة للتجارة التي ترد إليها من بلاد البحرين التاريخية، حيث كانت تصدر ليثرب ومكة التمور والفوط والملاحف التي كانت تنسج في هجر والقطيف والأحساء. كما كانت لها علاقات تجارية مع أهل اليمن، والحبشة والهند والسند والصين وبلاد الشرق الأقصى، فكان يجلب إليها متاع الصين والهند مثل الحديد والمسك والعود والفلفل والنارجيل وغيرها. فالطريق التجارية التي تمر بميناء العقير: طريق البصرة، البحرين، عدن، جدة، الجار، الطريق المؤدي إلى الهند والصين والشرق الأقصى، ومع إفريقيا.
ميناء العقير ومؤسس الملك عبد العزيز رحمه الله:
يعد ميناء العقير بالأحساء على ساحل الخليج العربي من المواقع التاريخية المهمة في المملكة وأول ميناء بحري فيها، كما كان الميناء الرئيس للحضارات المتعاقبة في الأحساء حتى عهد قريب. وقد اهتم المؤسس الملك عبد العزيز –طيب الله ثراه – بميناء العقير لكونه البوابة الاقتصادية للدولة السعودية الناشئة، وكان إلى عهد قريب قبيل تأسيس ميناء الدمام، الميناء الرئيس الذي يفد إليه الزائرون لوسط الجزيرة العربية وشرقها.
ولأهمية ميناء العقير فقد شهد أحداثاً سياسية واقتصادية في عهد الملك عبد العزيز رحمه الله حيث استخدمه الملك عبد العزيز مقراً لمقابلة الموفدين البريطانيين، واتخذه مقراً للمفاوضات مع الحكومة البريطانية، ففي عام 1334هـ/ 1915م اتجه الملك عبد العزيز إلى العقير حيث عقد رحمه الله في مينائه مع (بيرسي كوكس) ممثل الحكومة الإنجليزية معاهدة العقير الشهيرة بتاريخ 18 صفر 1334هـ الموافق 26 ديسمبر 1915م، كما قرر الملك عبد العزيز أن يكون ميناء العقير مكاناً للاجتماع بالمندوبين الإنجليز لمناقشة الحدود بين نجد وشرقي الأردن والعراق، ونتج عن ذلك توقيع ما يسمى بيروتوكول العقير عام 1341هـ/ 1922م.
وقد قام الملك عبد العزيز بتطوير الميناء، فأنشئت الجمارك والجوازات والفرض ومبنى الخان ومبنى الإمارة والحصن والمسجد وعين الماء وبرج بوزهمول. وأصبح العقير شريان الحياة لوسط الجزيرة العربية وشرقها بحيث كانت البضائع والأغذية وغيرها ترد إلى قلب الجزيرة العربية والعاصمة الرياض عبر هذا الميناء المهم، وشهد هذا الميناء في عهد الملك عبد العزيز تنظيمات عديدة لضمان استمراره في أداء دوره الاقتصادي في البلاد.
وقد استمرت أهمية العقير بوصفه ميناء حتى قرابة سنة 1365هـ/ 1945م، ثم تراجعت أهمية العقير لوجود طرق حديثة معبدة وبناء عدد من الموانئ الحديثة قرب منابع النفط والأسواق التجارية في المنطقة الشرقية.
العقير والسياحة:
يعد ساحل العقير من أجمل السواحل على ضفاف الخليج بالطبيعة الخلابة، والبيئة النظيفة، والأسماك الملونة، ووجود آبار المياه العذبة التي تنبع بجوار الساحل، ويتميز بتداخل مياه الخليج وتنوع فيه المظاهر الجغرافية وكثرة الرؤوس والخلجان والجزر ومن بين تلك المظاهر جزيرة الزخنونية وكذلك جزيرة الفطيم، كما يضم العقير العديد من المباني الأثرية شيدت على فترات تاريخية تعود أقدمها إلى عصر الدولة العيونية (469 - 639هـ) وتمتد حتى آخر فترة عام 1374هـ وهي: مبنى الجمارك، والفرضة ومبنى القلعة ومبنى الخان.
وقد اهتمت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بميناء العقير تاريخياً وسياحياً، ففي الجانب التاريخي قامت بتسجيل مبنى الجمارك في ميناء العقير في سجل الآثار الوطني، وقد جرى ترميم مباني ميناء العقير ومباني المستودعات والجمارك، كما نفذت الهيئة أعمال الترميم الشامل والتأهيل للعديد من المعالم الأثرية والتاريخية في محافظة الأحساء مثل: القصور التاريخية والمساجد والمدارس وغيرها.
وفي الجانب السياحي عملت الهيئة على جعل العقير وجهة سياحية رئيسية في المنطقة نظراً لمكانتها التاريخية وتميز موقعها، حيث تم في هذا المجال توقيع عقد تأسيس شركة تطوير العقير برأسمال يبلغ مليارين و760 ملايين ريال بحضور صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني آنذاك، وهكذا سيوفر المشروع بتكامل عناصره وتعدد خدماته خيارات سياحية تلاءم متطلبات وخصوصية الأسرة السعودية وتلبي احتياجات الشباب الترفيهية وتطوير الخدمات والفعاليات السياحية.
ومن أهم المعالم الأثرية والتاريخية في العقير: حصن الراكة، مبنى الجمارك، الفرضة، مبنى القلعة، مبنى الخان، مبنى برج أبو زهمول وقد بني هذا البرج الدفاعي لحماية العين التي يستقي منها أهل العقير و كان المصدر الوحيد للمياه الصالحة للشرب.
بعض ذكريات الكاتب مع المنطقة الشرقية:
خلال خمسين عاماً مضت تمت زيارة الكاتب للمنطقة الشرقية عدة مرات، كانت أولى هذه الزيارات مدينة الخبر ومكث بها عدة أيام، وأثناء هذه الزيارة تم الاطلاع على أرض بكر تتكون من رمال ناعمة وشاطئ جميل جداً تتسابق الأمواج، تشعر كأنها ترحب بك ويأتي الهواء صافياً نقياً، وتشعر بنشوة عندما يمتزج بأنفاسك حيث لم يتصل برئة قبل رئتيك، وأحسن الكاتب باعتزاز وفخر بأن هذا المكان الجميل في الوطن الغالي، وكان آنذاك أرضاً بكراً وعندما سأل عن اسمه قالوا له: (نصف القمر) وهذا الجمال في نصف القمر فكيف لو رآه كاملاً، وكان الكاتب شاباً في مقتبل العمر.