تاريخنا الإسلامي العريق -في علمه وعمله- مليء بالنماذج النسائية الراسخة تأصيلا ومواكبة للمستجدات والنوازل، فأمهات المؤمنين -رضي الله عنهن- في الذّروة العالية من التأصيل الفقهي، والعلم بالسنة النبوية العملية في أخص الخصوصيات بوصفهن الزوجات الطاهرات، وبثهن هذا العلمَ ولا غَرْوَ فهن للمؤمنين والمؤمنات أمهات.
وتأتي في مقدمتهن أم عبد الله الصديقة بنت الصديق؛ لما توافر لها من أسباب الذيوع العلمي ومؤهِّلات النظر الفقهي السديد، ومن أراد جَلِيَّة أمرها ومقدارَ علمها، فليستنطق أمَّات الكتب ومعتمدات المصادر أخبارَها وعباراتِها الرائقةَ في بيان مناقب الصديقة ومميزاتها في الفهم التامِّ وثقابة النظر.
وتمتد السلسلة العلمية الطاهرة على مرِّ العصور وكرِّ الدهور مُسجلةً بصماتٍ علميةً رائدةً، وآثارًا تكتب بالتِّبر لا بالحبر.
وإن لفقيهتنا -التي أنشأنا هذه المقالة؛ لنتناول طَرَفًا من منهجها ونبذًا يسيرة من تحريرها العلميِّ الممتد- موقفًا طريفًا مع والدها فضيلة الشيخ العالم الجليل الولي الصالح عبد السلام أبو الفضل -رحمه الله تعالى وأسكنه الفردوس- يتمثل في ترديده -رحمه الله- على مسامع ابنته الفقيهة الأصولية الأستاذة الدكتورة زينب عبد السلام أبو الفضل -أمد في الطاعة والمعافاة مدتها- نبأَ الفقيهة العالمة زينب السمرقندية ابنة الفقيه الحنفي الكبير علاء الدين السمرقندي وزوجة ملك العلماء الكاساني الفقيه الحنفي صاحب الكتاب السَّيَّار «بدائع الصنائع»، والسؤال الذي يُلِحُّ على ذهن القارئ: هل أثمر النبأُ ثماره اليانعة؟ وهل أنتج التذكيرُ بالفقيهة السمرقندية نتاجه؟
والجواب الذي لا جواب إلا هو: أَجَلْ، لقد كانت السمرقنديةُ إلهامًا لفقيهة العصر ونبراسًا لها، فقد حازت أستاذتنا زينب أعلى لقب علميٍّ يعرفه العالم الآن لقب بروفيسور (أ. د).
ولا ينبغي أن يفوتني أن أنوه إلى أن فقيهتنا زوجةُ الفقيه الأصولي ذي الصيت العالم الجليل الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم الحفناوي - حفظهما الله تعالى-.
ولست ممن تستهويه الألقاب دون ما أدى إليه من عِلْمٍ ونتاج علمي يُعجب الدارسين ويَسُرُّ الناظرين. نعم لقد أخرجت فقيهتنا للأمة مؤلفات فقهية ومصنفات شرعية لها وزنها وثقلها العلمي في الأوساط الفقهية والمجامع العلمية.
أذكر منها بعضها مما يحضرني: المغتصبة وأحكام السَّتر عليها في الفقه الإسلامي، وواقع الفتاوى المعاصرة في ضوء مقاصد الشريعة، وقواعد التعايش السلمي، واختلاف الفتوى، والنص القرآني والأحرف السبعة، علاوة على رسالتي التخصص والعالِمِيَّة، وغير ذلك من الأبحاث التي لا يسعك إلا أن تسارع إلى قراءتها وتأملها والاستفادة منها.
وفي الختام فهذا غيض من فيض وقليل من كثير، ولعل الله يهيئ لي كتابة واسعة مستفيضة عن أستاذتنا ومعلمتنا في دروب الدراسات العليا ومسالك العلم الممتدة إلى أن تبلغ بنا جنات النعيم بفضل الله رب العالمين.