خلال الأسبوع المنصرم طالعتنا وسائل الإعلام والصحف حول العالم بكثير من الأنباء حول التفاعل الإيجابي مع يوم البيئة العالمي. بحسب تقويم الأمم المتحدة، فإن هذا اليوم يوافق الخامس من شهر مايو، وفي حقيقة الأمر فإن هذا التوجه نحو الاهتمام بالبيئة هو أمر محمود، لكن ما يثير الاهتمام هنا هو أن اليوم العالمي لسلامة الغذاءworld food safety day)) كان أيضا في ذات الأسبوع.
في الوقت الذي تتزايد فيه مطالب المستهلكين بأهمية الحصول على منتجات غذائية طازجة، وذات جودة مرتفعة، فإن التحديات العالمية المحيطة تجعل من مسألة سلامة الغذاء، وسلاسل الإمداد بشكل عام أكثر تعقيدا من أي وقت مضى.
خلال فترة الجائحة تسبب الهاجس بانتقال العدوى في سلوك لم يكن معهودا في السابق من قبل المستهلكين، فبات الكثيرون يفضلون الطهي في المنزل، مما زاد من وتيرة التسوق وشراء المنتجات الأساسية. في ذات الفترة كانت المصانع تواجه نقصا في عدد العمال المتواجدين في خطوط الإنتاج، وهو ما جعل المسألة تبدو أكثر تعقيدا.
اليوم نتابع أسعار النفط المرتفعة أيضا، والتي تلقي بظلالها على أسواق الشحن بسبب ارتفاع كلفة الوقود، والأسمدة الخاصة بهذه المنتجات الغذائية. يسهم التطور التقني، والاهتمام بالرقمنة على مستوى العالم في خلق مزيد من الفرص لوضع حلول لهذه الإشكالية، ويعمل كذلك على تسريع وصول ضبط العملية، لكن يجب أن نبقى على علم دائما بأن المسألة مرتبطة بأطراف عدة، وهذا ما يجعل التحدي أكثر صعوبة.
بالنسبة للمملكة فقد اتخذت العديد من الخطوات في مواجهة هذه التحديات، ووضعت الأمن الغذائي على قائمة أولوياتها. لقد تبنت المملكة مؤخرا استراتيجية غذائية تضمن توفر السلع في حالات الطوارئ، ولا يمكن اعتبار هذا التوجه جديدا في البلاد، فقد كانت التجربة قد أثبتت نجاح الخطة الوطنية في ظل الأزمات. عندما كان العالم بأسره يعاني من شح المنتج في فترة كورونا، لم تؤثر تلك الأزمة الخانقة على وفرة السلع في المتاجر السعودية. ليس هذا فحسب، بل قامت الرياض بتزويد دول المنطقة بسلع رئيسية معتمدة في ذلك على قوة الشركات الوطنية في القطاع الزراعي. الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي التي كان قد تم إقرارها قبل عدة سنوات لا تهتم فقط بجانب وفرة السلع في الأسواق، ولكن حتى الجودة والسعر وعدم نقص المخزون هي جوانب أخرى يتم أخذها بالحسبان.
المختصون في هذه المنظومة يعلمون أن السلسلة لا تتوقف فقط عند الإنتاج، لأن المستهلك دائما يريد أن تكون السلعة أقرب ما تكون لناظريه. اليوم أصبح ابتكار الحلول مهما أكثر من أي وقت مضى، لذلك يسعى التجار لتوفير البدائل دائما بحيث يتم التخفيف من وطأة الأزمة. أما بالنسبة للمنتجين، فإن التركيز على السلع الأساسية ونقاط قوتهم أصبح أمرا حتميا.
لذلك فلا يمكن أن نتعجب حين نعلم أن المملكة عملت على تشجيع توفير المنتج المحلي، في ذات الوقت الذي عززت من قدراتها التنافسية بالاستثمار في القطاع الزراعي على مستوى العالم. حين يحتفل العالم بيوم الغذاء العالمي فلابد أن نعلم بأنه يوم لامس عصب الحياة بالنسبة للبشرية جمعاء، لابد إذا أن يعلم الجيل القادم بأن هناك جهود كبيرة على كافة الأصعدة تعمل عليها جهات عدة من أجل أن ننعم نحن بهذه الوفرة.
** **
- مهتم بالاقتصاد وكل ما يتعلق بالاستثمار والتطوير العقاري