علي الخزيم
نعم؛ داست عجلات سيارات طالبين أو ثلاثة كتبهم المدرسية بعد خروجهم نهاية الاختبارات في منظر أزعج من شاهده، وهي وإن كانت حالة محدودة من تلاميذ صغار مُستظرِفِين وللتعبير عن شيء بدواخلهم فإنها لا تُعد -ولله الحمد- ظاهرة بين طلابنا، فقد وصل شباب المملكة من الجنسين لدرجات عليا من الوعي الفكري والثقافة العامة والذوق الرفيع بشكل عام، وتتوفر لديهم مشاعر حب العلم والمعرفة وشغف الريادة بالمجالات المتعددة، ويبرهن على هذا تفوق آلاف الطلاب والطالبات الدارسين بالداخل والخارج بكافة جوانب وتفرعات العلم وحازوا أرفع الدرجات والتقديرات من جامعاتهم، بل وسجَّلوا حضوراً مشرفاً بالمنتديات والمسابقات واللقاءات والمؤتمرات العلمية والثقافية محلياً ودولياً، ومن كان هذا شأنه ومستوى تفكيره لا يمكن أن يمتهن الكتاب وما يحتويه من علم؛ لا سيما أن الكتاب المدرسي يتضمن آيات قرآنية عظيمة وأحاديث شريفة، كما يشتمل على أرفع وأقوم القيل شعراً ونثراً ومن أحكم أقوال القادة والعلماء والرواد بالمملكة والعالم العربي والإسلامي وغيرهم، فلا يُتَصوَّر أن تغيب هذه القيم العلمية عن أذهان شبابنا الكرام الأوفياء لدينهم ولبلادهم وعروبتهم، وما العلم بالكتب إلَّا نبض لهذه القيم.
ذهب بعض من أدلوا برأيهم حول الخبر المُصوَّر للواقعة إلى تفسيرات مُتشعبة ربما بعضها لا سَنَد له من علم ديني أو نفسي أو اجتماعي؛ بل هي اجتهادات بحسن نيَّة وغيرة على العلم والكتاب والآداب العامة، فقد لا نتفق دائماً على أن من يقترف مثل هذا السلوك الخارج عن الأدب العام بأنه لم يجد التربية السليمة من الأهل بالمنزل، فالمؤكد أن كل ولي أمر لا يقبل أن يسلك ابنه هذا المسلك حتى وإن كان قد بدر منه ذات يوم بصغره شيء قد يماثل هذا العمل، فمحاسبة النفس وردّها عن غيّها يتطور ويكتمل مع تتابع سنوات العمر، وهذا ما يُفسّر أن كل أب وأم يريدون لأنجالهم أفضل مما كان لهم بكل مجالات العلم ومقومات الحياة، كما أنه لا يمكن دائماً تأويل أي تصرف من الصغار بأنه (غياب للوازع الديني)! فهذه العبارة أجدها تتكرر بكل مناسبة وعند كثير من الوقائع والأحداث، أقول: ربما إن أولئك الشُّبان ممن داسوا الكتب قد توجهوا من أمام المدرسة إلى المسجد لصلاة الظهر، القِيَم الدينية متوفرة ولله الحمد تتم زراعتها وتنميتها بالمدرسة والمنزل؛ غير أن قليلاً من الفتيان ينتابهم الضَّجر من المذاكرة وحرارة الأجواء فيميلون لدقائق معدودة لتصرفات غير محمودة وتخرج عن إطار الذوق العام، وامتهان الكتاب يتعدى ذلك بكثير، لكنما هي حالات نادرة محدودة ولا أشك أن الفاعلين نادمون الآن كثيراً، وسيكبرون وتجدونهم - بإذن الله - خيراً مما تأملون، فصبركم على النشء قليلاً.
كما اجتهد كثيرون لإيجاد حلول لهذه المسألة وكيف يمكن استعادة الكتب من الطلاب نهاية الفصول الدراسية للاستفادة منها بالأوجه المناسبة ولتدارك امتهان مضامينها، وقد كانت تجارب مفيدة تَمَّت بسنين مضت لعلها كانت مناسبة بوقتها، ولن تعدم وزارة التعليم والجهات ذات العلاقة طريقة أفضل وأنجع لتحقيق هذا الهدف الجليل.