الجامعة مؤسسة تعليمية حضارية تٌخَرِجُ للمجتمع الآلاف من الطلبة سنويًا وكلٌ منهم في تخصصه ومجاله ينطلق حاملًا ما اكتسبه من علم ومعرفة لميادين العمل وخلال هذه المرحلة الدراسية، يتم تقديم العديد من المقررات الإجبارية للطلبة في شتى التخصصات منها مقررات في التحرير العربي والثقافة الإسلامية والحاسب ومهارات التفكير وتسمى «متطلب جامعة»، وجميعها تفيد الطلبة لا شك في ذلك، ولكن مع التطور الحاصل لاسيما التقني وسهولة الوصول للمعلومة وتطوِر أساليب غسل الأدمغة أصبح من الضروري أن يكون الطالب والطالبة الجامعي ملمًا بمهارات تساعده في حفظ وصيانة فكره من الانحراف وتعزز لديه المناعة الفكرية تجاه الأفكار الهدامة وتقوي الانتماء للوطن والحرص عن الذَّودِ عَنْه وتؤصل لديه منهج الوسطية والاعتدال وتعزز لدى الطالب والطالبة ثقته بنفسه ودينه وتعميق انتمائه إلى أمته وتحصينه فكريًا وأخلاقيًا ليتمكن من الصمود أمام هذا الكم الجارف من الأفكار المنحرفة الهدامة، وهذا ما سوف يقدمه مقرر «الأمن الفكري» للطلبة.
ومما يدعو أيضًا لضرورة وجود مقرر الأمن الفكري في الجامعات السعودية أنه لا تستطيع أي أمةٍ مهما بلغ مستواها الحضاري أن تستمر في تقدمها من دون توفر الأمن في ربوعها فالأمن مطلب أساسي في حياة الأمم وركيزةٌ مهمة من دعائمه فلا أمنَ بلا أمن فكري فإن أختل الأمن الفكري فلابد أن تختل منظومة الأمن بصورتها الشاملة وقد امتنَّ الله على أصحاب الحجر بالأمن فقال:
{وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ} (سورة الحجر الآية 82).
والأمن الفكري في هذه العصور يعد هاجسًا أمنيًّا لكل مجتمع؛ فهو الأمن الذي يحمي عقول المجتمعات، ويحفظها من الوقوع في الفوضى، والأمن على العقول لا يقل أهمية عن أمن الأرواح والأموال، فالأمن الفكري هو الركيزة الأساسية للمحافظة على الأمن الوطني بشكل عام، وبالتالي حماية المجتمع من الانحراف والضلال والضعف والاختلال.
ومما لا يمكن التغافل عنه دور وزارة التعليم ورئاسة أمن الدولة عبر الشراكة الموقعة بينهما منتصف يناير 2020 في مجال الأمن الفكري في التعليم والتي تهدف لبناء شراكة استراتيجية قائمة على التعاون والتكامل في المجالات الفكرية، والتنسيق في إدارتها، ومعالجتها، والتصدي معاً لأي مظاهر انحراف فكري؛ تعزيزاً للوعي، وتحقيقاً للقيم الإيجابية التي تمثل صورة المجتمع كذلك توقيع وزارة التعليم مع وزارة الثقافة مذكرة تعاون؛ للرفع من محتوى المجالات الثقافية ضمن مناهج وأنشطة التعليم، وتأسيس مرحلة جديدة لتعاون ثقافي طموح، ينطلق من التعليم؛ ترسيخاً للقيم الوطنية، وإعداداً لجيل واعد محب لوطنه محافظا عليه، وكل ذلك من اجل الجيل القادم الذي يعتمد عليه الوطن وهذا يدل على اهتمام مملكتنا بفئة الطلاب.
ومما أقترح أن يحتوي عليه مقرر «الأمن الفكري» تعريف للأمن لغةً واصطلاحًا وأنواع الأمن ومن ثم تناول مفهوم الأمن الفكري وأهميته وأسباب انتشار الأفكار الهدامة وماذا تهدف له وما هي أساليب القائمين عليها وتوضيح جهود المملكة في تعزيز الأمن الفكري.