د.نايف الحمد
مع بداية كل موسم تنطلق الأمواج الزرقاء؛ كطائر في السماء؛ يشق طريقه عبر الفضاء؛ يتنفّس الحرية ويداعب الهواء.. يرتفع ليلتقط صورة بانورامية لوجه الأرض، ويكتشف مواطن الحُسن فيها والجمال، ليختار أي موطن يليق به؛ ثم يُشير بجناحيه لمحبيه بقرب عودته مع إطلالة الفجر؛ ليعزف لهم لحن الخلود « أنا الهلال».
في أيلول تمر به الطيور المهاجرة على شكل أرتال؛ قاطعة المسافات؛ عابرة للقارات؛ لكن الطائر الأزرق يغرّد وحيداً؛ يرقب السرب من بعيد؛ وكلما حاولت تلك الطيور الاقتراب منه ارتفع في السماء حتى غاب وأصبح في مدار آخر لا يمكنها أن تصله؛ فينظر إلى الأرض من بعيد ويعرف أن مكانه منها القمم الشمّاء التي لا تليق إلّا به؛ فيقرأ جغرافيا المكان ويرسم خطوطها؛ ثم يكتب التاريخ عليها بإرادته وسحره؛ قبل أن يشق طريقه عبر مدارات الزمن؛ ضارباً مع عشاقه موعداً آخر للقاء.
عندما تمعن النظر في هذا الطائر تأسرك تفاصيله.. فلونه الأزرق يمتزج بزرقة السماء عندما يختار أعلى المدارات؛ وإذا قارب الأرض اختلط لونه بالمحيطات؛ وتكسوه توشيحة بيضاء؛ هي عنوان النقاء.. أما تفاصيله الأخرى فتمتلئ بالبهاء؛ يهيم بالانطلاق ولا يُذعن للقيود؛ يرسم الفرحة ويصنع البهجة ويبهر الجميع في كل إطلالة له؛ ويحوّلها لكرنفال بديع؛ بانتظار مواعيد أخرى أكثر جمالاً وإبداعًا.
سنوات بعد سنوات وهذا الطائر يأسر قلوب محبيه ويعزف على أوتارها أجمل المقطوعات بألحان تتردد في أسماعهم صباح مساء؛ حتى باتت هذه الألحان قصائد عشق تصاحبهم أينما كانوا؛ وتبعث في نفوسهم رونق الحياة وسحرها.
هذا الطائر استطاع أن يُلغي ألوان الطيف في عيون عشاقه ويُبقي ألوانه الزاهية هي الطاغية في محيطهم؛ حتى باتوا لا يرون جمال الألوان إلّا بلونه الجذاب؛ عندما يقترن الأزرق بالبياض؛ وبات يعني لهم جمال الأرض وفتنة السماء.
ستعود الطيور المهاجرة إلى أوطانها إلّا هو؛ سيبقى محلقاً مغرداً في الفضاء لأن عيون عشاقه ما فتِئت ترقبه وتنتظر المزيد من المتعة و الإبهار ليقدم لهم معزوفة الخلود بلحنٍ جديد.
نقطة آخر السطر
اقتربت جموع حجاج بيت الله العتيق من الوداع.. ربي لا تردهم خائبين؛ وتقبل دعاء الداعين؛ وأعدهم سالمين؛ وأدم علينا وعلى أمة الإسلام العزة والتمكين.
عيد أضحى مبارك.. تقبل الله طاعاتكم.. وكل عام وأنتم بخير.