يقف المرء أحياناً أمام عدَّة طرق متفرقة لا يعلم أيها أحق بالصواب أو الخطأ واقفاً متأملاً ومتفكراً ومحتاراً أيهما يسير وأيهما يبتعد كأن على عينيه غشاوة من السُّحب الضّبابية الداكنة أمام ناظريه فأخذت تشكل سلبية في مسيرة حياته فعندما يتحدَّث الإنسان عن (غَفْلة الضّمير) فإنَّه يحتاج إلى وقت حتى يتسنى له توضيح جميع الأمور الغامضة التي تخفى على الكثير مِنَّا.
فالإنسان كثيراً ما يخطئ أو يتعرض للخطأ بقصد أو غير قصد سواء كانت زلة من الزّلات أو عثرة من العثرات أو هفوة من الهفوات مهما كبر الذّنب أو صغر ولكنَّ من أراد الله له التّوفيق والسّداد تجده سرعان ما يفيق من غفلته أو من خطئه الَّذي وقع فيه بشعور داخلي لا يوصف وحسرة وندم لا يعبر على ما اكتسبت يداه من إثْمٍ أو غيره وهذا الأمر يرتكبه البعض مِنَّا ويقول الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } سورة الزُّمر آية (53).
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} سورة آل عمران آية (135).
وقال تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا} سورة النساء (110).
فهذه الآيات سالفة الذكر - تحرك العقول، حتى تتفتَّح الأفهام وتشرق على القلوب بأنوار التّفكر والإمعان والتدبر.
لكنَّ السُّؤال الَّذي يطرح نفسه هنا؟
- هل لغفلة الضّمير آثار سلبية تنعكس على سلوكنا وصفاتنا الشَّخصيَّة؟
قد لا أستطيع أن أجيب إجابة شاملة عن هذا السُّؤال - لكنَّ الآثار السلبية ستترك آثارًا سيئة على النَّفس البشريَّة مهما اتسع مستوى عمق هذه الآثار لكنَّ المهم والأهم نحاول بقدر المستطاع أن نغرس وندعم الإيجابية في كل فرد من أفراد الأمَّة مهما تعددت محدوديتها لأن آثاره الإيجابية هي الأبقى والأصلح.
وإن تعزيز أسس إيجابياته التي تضيء الحياة الشَّخصيَّة للمرء لها دور كبير وفعّال بما تملكه من مقوِّمات جسام من السّلوك والقيِم الأخلاقية العالية وكلَّما حافظ المرء على هذه المقوِّمات الإيجابية في حياته كلَّما اقترب بقدر المستطاع من أسس المثالية.
لأنه يرفض الاستسلام والخضوع والخشوع أمام التصرفات الخاطئة التي تمثل تراكمًا سلبيًّا في النَّفس البشريَّة.
وقال نبي الرَّحمة محمَّد صلوات الله وسلامه عليه: (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون).
وعنه قال - صلَّى الله عليه وسلَّم (يقول الحق تبارك وتعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السَّماء، ثم استغفرتني لا تشرك بي شيئاً لأتينك بقرابها مغفرة) رواه الترمذي.
فليس عيبًا أن يخطئ المرء فالعصمة للأنبياء والرّسل وإنما العيب كل العيب أن يتمادى المرء في خطئه ذلك من أجل الدّافع الدّاخلي والصوت الخفي الكامن في أعماق النفس البشريَّة التي جعلت المخطئ يشعر بالندم ويحسُّ بالألم ويكشف فداحة الخطأ الَّذي وقع فيه هو ما يسمَّى (بيقظه الضّمير) وهذه اليقظة للضمير تجعل المخطئ لا يهدأ له بال، ولا يستقر له قرار، ولا يهنأ له جلوس ولا يهنأ بنومه ولا يتلذذ بطعام ولا شراب ولا ملبس حتى يعيد الأمور إلى نصابها ويُرجع الحق إلى أصحابه بكل قناعة وعزيمة واقتدار.
إذاً الضمير الحي هو الرقيب الداخلي على النَّفس البشريَّة على أعمال المرء ينبهه إذا غفل يذكره إذا نسي حتى يراجع نفسه ويعيد الحق إلى أهله وهذا هو الإخلاص بعينه الذي دعا إليه الأسلام في جميع الأعمال ويقول الحق تبارك تعالى في محكم كتابه الكريم: قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ سُورة آل عمران آية (29).
وقال تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ سورة النور آية (63).
وقال تعالى: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} سورة البروج آية (12).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلم قال (إن الله تعالى يغار وغيرة الله أن يأتي المرء ما حرم الله عليه) متفق عليه.
اللَّهم إن كنت قد أصبت فمنك وإن أخطأت فمني ومن الشّيطان سبحانك اللَّهم وبحمدك أشهد ألاَّ إله إلاَّ أنت أستغفرك وأتوب إليك.