إن كلمة الإنسانية منتشرة ذائعة اليوم، وبارزة على كل صحفة من صفحات الصحف والمجلات، وخفيفة على لسان كل خطيب وأديب، ولا يمر علينا يوم من الأيام إلا وتنعقد فيها الندوات والمؤتمرات في كل ناحية من أنحاء العالم، وتجري فيها المناقشة عن الإنسانية وكرامة الإنسان. فالسؤال المهم، هل الإنسانية ومفهومها مقتصرة في غرفة مكيفة، وهل تخرج هذه الفكرة الإنسانية من صالات الندوات إلى أرض الواقع للإنسان والإنسانية؟
ومن ذا يكابر في أن الإسلام ليس هو الذي عرف كلمة الإنسانية لأول مرة في التاريخ، وسعى لرواجها وذيوعها قبل أن تعرف هذه الكلمة ومعانيها السامية. الإسلام صوّر الحياة بوحدة إنسانية غايتها التعارف والتعاون بين الجميع، ولم يصورها صراعاً بين الطبقات، ولا حرباً بين الشعوب، ولا عداوة بين الطبقات، ثم يخطو الإسلام خطوات كبيرة لتحقيق هذا الهدف النبيل بتقربه من حقوق الإنسان وبتمسكه بالآداب النفسية والقيم الاجتماعية وتوجيهاته لبناء مجتمع ينمو فيه الحب والتعاطف والتعاون وتشريعاته لضمان الأمن والسلام في الحياة البشرية.الأمة العربية والإسلامية بعثت لمهمة جديدة في العالم ورسالة خاصة إلى الأمم، لقد كان مبعثها لغرض سامٍ، وتشاغلت أمم عنها حتى نسيتها. وإن الأمة الإسلامية ليست نابتة في الأرض كأشجار برية أو حشائش شيطانية، بل إنها أمة أخرجت للناس، تحمل رسالة الإنسانية للبشرية جمعاء، وذلك ما تمتاز به الأمة الإسلامية في التاريخ.
فما من أمة إلا ولها أغراضها، ورهيق بطنها وشهواتها، تعيش لأجلها وتموت في سبيلها، أما الأمة الإسلامية فهي أمة أخرجت للإنسانية، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، بعثت هذه الأمة لتخرج الناس من ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن الجور إلى العدل والمساواة والحرية، وضمانات الحياة القانونية والمعيشة، ومنع البغي، وإزالة الظلم والعدوان، وتحقيق التوازن الاجتماعي والتكافل والتعاون، وإزالة أسباب الخصام والنزاع بين الأفراد وبين الجماعات، ومنع التمييز حسب اختلافهم في الأجناس والطبقات والألوان والأماكن.
الأمة العربية والإسلامية هي أمة الحاضر وأمة المستقبل، قد كتب لها الخلود والنصر، لأنها تحمل دعوة ورسالة، وهي الرسالة الأبدية للإنسانية، وهذه الرسالة هي الروح التي تقهر المادة وتسخر الأسباب، وأن الرسالة الإسلامية هي الرسالة الإنسانية لتأتي بالمعجزات حتى اليوم.
الأمة الإسلامية التي خلصت الأمة الرومية من عبادة المسيح والصليب والأحبار والرهبان، هذه الأمة الإسلامية التي خلصت الأمة الفارسية من عبادة النار وعبودية البيت الكياني، هذه الأمة الإسلامية التي خلصت الأمة الطورانية من عبادة الذئب الأبيض، والأمة الهندية من عبادة البقرة وأخرجتها فعلاً من ضيق الدنيا إلى سعتها.
والعالم ينتظر منذ زمان إلى أمة، ولديها رسالة للإنسانية، والإنسانية البائسة تستصرخ وتستغيث، وليس العالم بأقل ظمأ وأقل فاقة إلى الرسالة الإسلامية.الرسالة للإنسانية هي الناحية الوحيدة التي لا تزال فارغة في خارطة العالم، لا تشتغلها أمة غير الأمة الإسلامية، فإذا عمرها المسلمون أحسنوا إلى الإنسانية وأمسكوا هذا العالم المتمدن الذي قد كاد يهوي في الهاوية.