عطية محمد عطية عقيلان
يزخر الأدب العربي بالعديد من الشخصيات المضحكة والكوميدية التي تقدم النكات والحكم بطريقة طبيعية غير مصطنعة، وبعضهم ارتبط بصفات وعادات معينة كشخصية أشعب الأكول والبخيل الذي يتطفل على موائد الناس بدون دعوة، ولكنه يضحك الناس بردات فعله ويؤنس مجلسهم رغم عدم دعوته، كذلك جحا الذي اشتهر بقصصه مع حماره وما يحدث بينهما من حكايات مضحكة، وإن كانت تحمل في بعضها حكما وسرعة بديهة، كقول أحدهم له، عرفتك يا جحا من حمارك، ليرد عليه بأن الحمير تعرف بعضها بعضا، ومنها شخصية بهلول الذي ادعى الجنون حتى يهرب من العقوبة والملاحقة، وكذلك الشاعر العباسي أبو دلامة الذي اشتهر بالسخرية والهجاء في شعره، ومن الطرائف التي حدثت أنه كان في مجلس الخليفة المنصور وأمره بأن يهجو أحدا في مجلسه وإلا قطع لسانه، فنظر إذا بعلية القوم في المجلس، فهجا نفسه حتى ينجو من العقاب، وقال:
لا أبلغ إليك أبا دلامة
فليس من الكرام ولا كرامة
إذا لبس العمامة كان قردا
وخنزيرا إذا خلع العمامة
جمعت دمامة وجمعت لؤما
كذلك اللؤم تتبعه الدمامة
فإن تك قد أصبت نعيم دني
فلا تفرح فقد دنت القيامة
ولم يخل الأدب العربي من الشخصيات المضحكة التي تجذب الناس، سواء بقصص ادعاء الجنون أو شعر السخرية والوصف المضحك وحتى في قصص حكايتهم مع الحيوان سواء من كليلة ودمنة وحتى حكايات توفيق الحكيم مع حماره وما يدور بينهما من حوارات، وأطلق عليه لقب الفيلسوف، ورغم ما عرف عن العرب من قسوة وظروف حياتية صعبة، إلا أنهم كانوا بحاجة في مجتمعاتهم لوجود من يضفي بهجة وسعادة وكوميديا ويكونون في مجالسهم أو ندمائهم، سواء شخصيات ظريفة أو شعراء أو مجانين أو أصحاب الظل الخفيف بطابعهم المبهج الخاص وأحياناً برؤيتهم الصائبة، وكما يقال في المثل « خذوا الحكمة من أفواه المجانين»، وهذا يأخذنا إلى أهمية الاستفادة من ذلك والحرص على وجودهم في حياتنا وقضاء بعض الأوقات أو الجمعات، مع نوعية من هؤلاء الظرفاء والشخصيات المبهجية، والتي تبعث على السرور وتضفي سعادة على هذه الجمعات، بعيدا عن لقاءات العمل والنقاشات الفكرية والمستقبل والمشاكل والظروف العالمية، فجميعنا بحاجة إلى الضحك والبساطة، بدون أهداف محددة أو مصلحة لكل علاقة، لذا نجد في مجالسة الظرفاء والتلقائيين والمضحكين، متنفسا ويجعلها أوقاتا ممتعة بعيدة عن الضغوط والمشاكل، لذا تكثر المقاطع التي تنتشر في منصات التواصل الاجتماعي «رأي شخصي» تحمل كوميديا أو موقفا طريفا مضحكا، يبعث إلى البهجة والسرور في مشاهدته، وفي حياتنا العادية هناك من نسعد بصحبتهم، لأنهم يجملون كل شيء، ويبعثون على التفاؤل والإيجابية، وينشرون البهجة والمتعة أينما حلوا، ونحن بحاجة إلى وجودهم في حياتنا وقضاء بعض الوقت معهم بعيدا عن الفائدة والمصلحة، وفي النقيض هناك من «مدمني الشكوى» والنقد من كل شيء في حياتهم، ولا يتحرجون عن الحديث عنها وبدون تحفظ، حتى ولو كانت علاقة سطحية، فبمجرد سؤالك لهم كيف الحال؟؟ تتلقى سيلاً من مشاكلهم ومتاعبهم، علما أن الإنسان بطبعه يتحدث عما يحدث معه من مشاكل، وهذا تنفيس طبيعي خاصة للأصدقاء الذين تبحث معهم عن حل أو رأي مفيد.
المهم أن نحذر أن نكون منهم ونحول هذه « الفضفضة» إلى إدمان بالشكوى لكل ما يحدث معنا حتى لا نكون مصدر نكد وإزعاج لمن حولنا، ولنبحث عن القصص والمواقف المبهجة والمضحكة لنؤنس بها من نخالطهم بعيداً عن أخبار التفجيرات والقتل والتضخم الاقتصادي، والنقد الشخصي خاصة في العلن.
خاتمة: «أول شيء تفعله في الصباح، ابحث عن شخص يجعلك تبتسم، لأن الابتسامة دائماً تصنع يوماً أفضل» الروائي البرازيلي باولو كويلو.