د.نورة الحمد
سجلت نسبة الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون، والميثان، وأكسيد النيتروز والناجمة عن الأنشطة الصناعية والزراعية والمنزلية والمسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي رقما قياسيا خلال الأعوام القليلة الماضية، وواصلت الارتفاع بشكل حاد وبلا هوادة، الأمر الذي أصبح يشكل خطورة على حياة الكوكب والأجيال القادمة.
ولا شك أن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وآثاره دفعت ملوك ورؤساء الدول وعلى رأسهم ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان حفظه الله لأن يدق جرس الإنذار ويطالب الحكومات والجهات الفاعلة على المستوى الدولي بالعمل معاً للبحث عن كيفية التخفيف من الآثار الكارثية لتلك الغازات من أجل إنقاذ عالمنا، ولتحقيق ذلك كان لابد من تطوير طرق لتقليل الانبعاثات وتحقيق الاستدامة، حتى يمكننا أن نترك عالماً أفضل للأجيال القادمة.
ويعد حياد الكربون أحد المفاهيم التي طرحها سمو ولي العهد خلال كلمته بمنتدى «مبادرة السعودية الخضراء» المنعقد في الرياض (أكتوبر 2021)، باعتباره وسيلة ناجعة لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم، حيث ذكر صاحب السمو أن المملكة تطمح وتعمل بشكل دؤوب على أن تصل إلى الحياد الكربوني عام 2060.
فما هو الحياد الكربوني؟ وما هو النهج الذي ستتبعه المملكة العربية السعودية للوصول إليه؟
الحياد الكربوني مصطلح يستخدم لشرح الإجراءات التي ستتخذها الدول والمنظمات والأفراد لخفض صافي انبعاثات الكربون إلى صفر كربون، وهي مرحلة تساوي فيها كمية ثاني أكسيد الكربون التي يتم وضعها في الغلاف الجوي من قبل الدول والمنظمات والأفراد (بما في ذلك الشركات) مع كمية ثاني أكسيد الكربون التي تمت إزالتها من خلال ما يمكن أن يطلق عليه بالوعات الكربون الطبيعية مثل الغابات وزراعة الأشجار حول العالم.
أما فيما يتعلق بالنهج الذي ستتبعه المملكة العربية السعودية للوصول إلى الحياد الكربوني، فمن خلال الاطلاع على مبادرة السعودية الخضراء يمكننا أن نقول إن جهود المملكة للوصول للحياد الكربوني تتمثل في عدة نقاط نبرزها على النحو التالي:
1- تنفيذ برامج لرفع كفاءة الطاقة
2- ولتحقيق هذا النهج أنشئت المملكة المركز السعودي لكفاءة الطاقة (كفاءة) والذي يعتبر الجهة المسؤولة عن ترشيد ورفع كفاءة استهلاك الطاقة في المملكة، حيث تسعي المملكة إلى إنتاج الكهرباء بدون أي انبعاثات كربونية من مصادر الطاقة المتجددة مثال (طواحين الهواء، والطاقة الكهروضوئية، والطاقة الشمسية المركزة، ومحطات الطاقة الكهرومائية الصغيرة، والطاقة النووية، ومصادر الوقود الأحفوري المزودة بتكنولوجيا احتجاز الكربون وتخزينه. وتتطلع المملكة إلى أن هذا النهج من شأنه أن يخفض الانبعاثات الكربونية بمقدار 278 مليون طن سنويا بحلول عام 2030.
3- تطوير تقنيات احتجاز الكربون: حيث تتطلع المملكة إلى استخدام الطاقة الحيوية المزودة بتكنولوجيا احتجاز الكربون وتخزينه في عملية إنتاج الكهرباء التي تنتج عنها انبعاثات مضرة. ويمكن خفض الانبعاثات الكربونية في توليد الكهرباء إلى الصفر باستخدام مجموعة فرعية من هذه التكنولوجيات فقط.
4- زيادة وسائل النقل العام التي تستخدم التكنولوجيات الحديثة التي بدورها ستؤدي حتماً إلى خفض انبعاثات الكربون لاعتمادها على الكهرباء النظيفة.
5- زيادة القدرة على إنتاج الطاقة المتجددة: تسعى المملكة إلى زيادة قدرتها على إنتاج الطاقة المتجددة وتستهدف تلبية نصف احتياجات المملكة المحلية للطاقة من مصادر الطاقة المتجددة وخفض الانبعاثات الكربونية بمقدار 175 مليون طن سنوياً وإزاحة مليون برميل تقريباً من الوقود السائل يومياً بحلول 2030.
ووفق التقرير الذي أعده مرصد قطاع دعم الاعمال بغرفة الرياض حول مؤشرات تطور قطاع الطاقة المتجددة بالمملكة فقد احتلت المملكة مراكز متقدمة جدا عالميا في هذا المجال، فعلى سبيل المثال احتلت المملكة المركز السادس عالميا في إمكانية إنتاج الطاقة الشمسية والاستفادة منها في توليد الكهرباء، بينما احتلت المركز الثالث عشر عالميا في إمكانية إنتاج الطاقة من الرياح، ليس هذا فحسب بل يشير التقرير إلى أن مستقبل الطاقة المتجددة في ظل رؤية المملكة 2030 يشير إلى زيادة قدرة التوليد الفعلية لمصادر الطاقة المتجددة بالمملكة العربية السعودية إلى ما يقارب 7.58 جيجاواط ورفع نسبة المشاركة في إجمالي الطاقة المستخدمة إلى 30 % بحلول عام 2030م، ويتوقع أن تصل إجمالي القدرة التوليدية لمشاريع البرنامج الوطني للطاقة المتجددة في المملكة العربية السعودية إلى نحو 6.5 مليون ميجا واط/ ساعة. ورفع نسبة المشاركة في إجمالي الطاقة المستخدمة إلى 30 % بحلول عام 2030م.
6- الحفاظ على سلامة بالوعات الكربون الطبيعية وزيادتها: وفي هذا الصدد نشير إلى أن المملكة أنشأت المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر الذي يعد الذراع الوطني المنفذ لمشروع دراسات السعودية الخضراء لزراعة 10 مليارات شجرة. حيث إن مبادرة السعودية الخضراء في مرحلتها الأولى سوف تتضمن مبادرات التشجير بزراعة أكثر من 450 مليون شجرة وجدير بالذكر أن الهدف النهائي للمملكة في مجال التشجير يبلغ 10 مليارات شجرة ستساهم في تخفيف آثار ومخاطر تغير المناخ من خلال زيادة الغطاء النباتي، وحماية التربة والغطاء النباتي من التدهور، وتحسين جودة الهواء. هذا بالإضافة لهدف سامٍ آخر تسعي المملكة من خلاله إلى الحفاظ على بالوعات الكربون الطبيعية وزيادتها وهو إعادة تأهيل 8 ملايين هكتار من الأراضي المتدهورة، وتخصيص أراضٍ محمية جديدة وإدارتها بشكل مستدام، ليصبح إجمالي المناطق المحمية في المملكة أكثر من 20 % من إجمالي مساحتها.
7- نشر الوعي البيئي: يعتبر تنمية الوعي البيئي عند أفراد المجتمع من أهم المرتكزات التي استندت إليها المملكة في مواجهة التحديات البيئية التي خلقها التطور الاقتصادي والنمو السكاني المستمر والتطور العمراني السريع وزيادة الطلب على المياه والطاقة والتي من أبرزها مياه الآبار الملوثة، مخلفات مصانع الإسمنت، زيادة انبعاث ثاني أكسيد الكبريت وأكسيد النيتروجين، تدهور الأراضي والتصحر وغيرها مما قد يتسبب بزيادة التلوث البيئي والمخاطر البيئية. وتشير التقارير إلي إنشاء عشرات الجمعيات والروابط البيئية المعتمدة من قبل الجهات الرسمية بالمملكة، التي عملت على توعية المجتمع بأهمية الحفاظ على البيئة، وخطورة الاحتطاب والرعي الجائر والتصحر، ومشكلات التلوث والتغير المناخي. هذا بالإضافة إلى العديد من المؤتمرات العلمية الندوات والمحاضرات التوعوية التي تعقد في هذا الصدد.
** **
- أستاذ ومستشار قانون بيئي