سارا القرني
الانتماء.. حالة حسية معنوية لدى كل فرد باختلاف هوياتهم، والمواطنة حالة حسية معنوية لدى مجموعة تحققت لديها شروط المواطنة التي منها «الانتماء»، وما بين الانتماء والمواطنة يمكننا تقديم الكثير من الحجج والنقاشات التي ترجح كفة هذا على ذاك تارة، وكفة الآخر عليه تارة أخرى، لكن من المستحيل أن ترجح كفة الانتماء والمواطنة مجتمعين على كفة الولاء!
لقد ظل الولاء بمختلف توجهاته أساساً لكل شيء في هذه الأرض، لكن الولاء للوطن قد تعدى حدود ذلك حتى أمسى جزءا من التجسيد الإسلامي وقوة الدولة، ولا عجب.. فالصحابة - رضوان الله عليهم الذين كان ولاؤهم للإسلام فوق كل ولاء.. لم يضطروا إلى إنكار وطنهم «الأرض التي ينتمون إليها»، ففي تاريخ الإسلام منذ بزوغه حتى يومنا هذا.. لم نعرف بلالاً إلا حبشياً، ولم نعرف سلمان إلا فارسيا، ولم نعرف صهيباً إلا رومياً، ولم نعرف الطفيل بن عمرو إلا دوسياً، وهذا لم يقلل من ولائهم إلى الإسلام، بل زادهم فيه رفعة!
لكني لا أعجب إلا لمن ينتمي لبلد التوحيد؛ ثم يزدوج ولاؤه حيث رماه انتماؤه، فمن ينتمي قلبه للمال كان ولاؤه لمن يدفع أكثر، ومن ينتمي هواه للشهرة كان ولاؤه لمن يظهره أكثر، فيكون الولاء حيث يسوقهُ الانتماء!
الولاء المدفوع ثمنه.. يرفع صاحبه ويخفضه حسب سعر اليوم، سعر القضية، وبناء على الجهة المنتفعة من هذه القضية، والولاء الفطري للوطن يرفع صاحبه كل يوم مهما كانت القضية، ومهما كان الزمن، والمنتفع الوحيد هو الوطن والمواطن!
تزعجني فكرة الولاء المتغير حسب المصلحة، فالاختبار الحقيقي للشخص هو عند وقوفه على مفترق الطريق بين مصلحته ووطنه، وغالبًا نجد الكثيرين.. الذين سيختارون طريق الوطن على طريق المصلحة، وبهم يكون الوطن في ذروة مجده وبهاء علوه، فالوطن أولا قبل كل اعتبار، فوق كل الظروف، بعيدا عن الحسابات والخيارات المطروحة، مسلما به كعقيدة لا تتزعزع، وآمنة في قلوبنا قبل أن نكون آمنين فيه!
لكن الله إذا أنعم.. اختبر، فابتلينا بمن يشوه وطنه في كل ظهور كي يكسب المزيد من المتابعين، ومن يسيء لوطنه في كل فرصة كي ترتفع أسهمه لدى كل جهة معادية، فإذا أرادوا أن يستغلوه لمصلحتهم لا بد أن يدفعوا أكثر، وابتلينا بمن يجيد إثارة الجدل.. مرة يثيرها في العادات والتقاليد ومرة في نسيج المجتمع، هؤلاء أدهى وأمر، فالمجتمع الذي يستهان بتقاليده الأصيلة.. سيستهان بثوابته يوماً ما، وشيئا فشيئا حتى يسقط المجتمع في فخ حرية زائفة لن تقوده إلا إلى زوال!
من لم يكن الوطن ولاءه الأول.. لا نأمنه على رأي ونصح، ومن لم يكن الوطن ولاءه الأوحد.. لا نقبله قدوة لشبابنا وشاباتنا، ومن لم يکن الوطن ولاءه الثابت.. لن تتحرك له إلا أقدامنا بالركل خارج حدود الوطن!