د. محمد بن صقر
هل بات لجماهير الخليج العربي رأي عام يخالف باقي الرأي العام العربي وأقصد هنا ليس المخالفة في تكوينها الفكري بقدر ما هو اختلاف في وعيها وتفاعلها وترتيب أولوياتها وقضاياها سواء الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية, وهل الرأي العام الخليجي بحاجة إلى تحليل وتفسير في طريقة طرحه للقضايا ومعالجته لها, خاصة أن كثيرًا من القضايا التي من الممكن أن نعرف اتجاه الجماهير نحوها على الأقل يكون عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومنصاته, ولعل التويتر يأتي في مقدمتها، حيث يكتب ويعلق فيها شريحة من الجماهير التي تحدث نوعًا من الضجيج والضوضاء حول القضايا التي تطرح والمواضيع التي تكون حديث الساعة، ولكن هذه الشريحة وصاحبة الصوت المرتفع, هل هي من يمثل الرأي العام الخليجي؟ الإجابة تكمن في نوع القضايا التي يتم تناولها ونوعية الحوارات والنقاشات التي تصاحب مثل هذه القضايا حيث نستطيع مثلاً أن نعرف الاتجاهات حول الرأي العام الخليجي في المواقف السياسية والقضايا التي تهم الأمن بشكل أساسي لأنها ببساطة تحرك الجميع نحوها فتجد نسبة التفاعل في التعليقات تكون في اتجاه واحد وهو الدفاع عن الوطن والالتفات حول القيادات فالرأي العام الخليجي ينظر إلى القضايا السياسية والأمنية من منظور واحد وكتلة واحدة وبعين وثقة في قياداتها التي تهدف إلى تطوير شعوبها ودولها فالرأي العام الخليجي بعيد كل البعد عن أخذ مثل هذه القضايا من جانب تيارات حزبية أو طائفية كبعض الدول العربية التي تعمل على هذا الوتر أن الفضاء الذي يتبادل فيه الناس أفكارهم وآراءهم، قوة سياسية تشمل النخبة والعامة معًا. كما أوضح عالم الاجتماع الألماني يورغن هابرماس خاصة في القضايا السياسية أو الاقتصادية، وهنا يمكن أن نقول إن ما يتفق عليها الأغلبية في نقاشاتهم واتجاهاتهم مؤشر لاتجاه الرأي العام حول قضية معينة ولعل الإساءات التي حصلت من بعض المسؤولين من لبنان واتجاه الجمهور والتعليقات التي حصلت ضده أثبتت أن الرأي العام يكون في حالة شراسة إذا ما تم تناول قضايا سياسية أو أمنية تهدده أو تحاول المساس به, أما القضايا الجدلية الاجتماعية والثقافية والفكرية فهي عادة ما تكون محل جدل بين مؤيد ومعارض وصامت وغير مهتم، ولا يمكن قياس الرأي العام فيها بشكل دقيق, أيضا كانت وسائل الإعلام التقليدية سابقا هي من يفرض الأولويات للرأي العام والقضايا التي يتم النقاش فيها بحكم امتلاكها الأدات التقنية وأيضاً الكاميرات التي تشاهد بها الجماهير المواقف، أما في وقتنا الحالي فإن المعادلة مختلفة تماما حيث إن منصات التواصل الجماهيري هي من يفرض أجندته وآراءه ومحور النقاشات على وسائل الإعلام التقليدية ويُرجع البعض ذلك إلى انتشار استخدام الهواتف الذكية وانتشار الثقافة التقنية بين الجماهير الذين استطاعوا أن يصنعوا الخبر ومضمون الرسالة بأساليب مختلفة.. أضف إلى ذلك ما تتمتع به تويتر والوسائل الأخرى من مرونة وسهولة في الاستخدام، وتلاؤمها مع الطبيعة النقالة التي تُمكِّن مستخدميها من التغريد والنشر عن الأحداث بشكل آني.
إن الرأي العام الخليجي يعتبر من الجماهير العنيدة التي لا تسلم تماماً للرسائل التي تصلها بهدف التشويه أو حين يكون الهدف منها تغيير اتجاهاتها ضد بلدة أو تغيير ولاءاتها، أو تحويل الجمهور، وموقفه، واتجاهاته، والسيطرة عليه. وهنا تكمن قوة الرأي العام الخليجي.