محمد بن ماجد الغنام الدوسري
تشهد الأراضي المقدسة هذه الأيام حركة دائبة ونشاطاً مكثفاً وزحاماً منقطع النظير بوصول حجاج بيت الله الحرام، الذين جاؤوا من كل صوب وحدب، ملبِّين أمر الله سبحانه وتعالى القائل في محكم تنزيله: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}، وليؤدوا فريضة عميقة الدلالات والأبعاد والأهداف وركناً هاماً من أركان الإسلام.
جاؤوا وقلوبهم عامرة بالإيمان ونفوسهم مشدودة إلى هذه البقاع الطاهرة؛ ليطوفوا بالبيت العتيق - حماه الله وزاده إجلالاً وتشريفاً - طالبين العفو والمثوبة والغفران من الله الواحد الغفار، وكلهم أمل ورجاء في العودة إلى أوطانهم، وقد غفرت ذنوبهم وقبل حجهم وهم في الصفاء والنقاء كيوم ولدتهم أمهاتهم.
وهكذا لابد أن يكون الحج، عبادة خالصة وتوبة نصوحاً وإخاءً ومودةً وسلاماً، ولا بد أن تسود أيامه تلك المعلومات مظاهر التقرب إلى الله والتضرع إليه بالدعاء الطيب والتوبة الصادقة، وألا يشوبها ما يعكر ذلك الصفاء الطاهر والروحانية المقدسة، امتثالاً لقول المولى جل شأنه: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}، وعملاً بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه».
والمملكة العربية السعودية - جزاها الله خيراً - حكومة وشعباً بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، لا تدخر وسعاً ولا تألو جهداً في تقديم وتوفير كافة سبل الأمن والسلامة والراحة والاطمئنان لضيوف الرحمن ليؤدوا مناسكهم بكل يسر وسهولة.
ولتحقيق ذلك الهدف السامي النبيل أنجزت الكثير من المشاريع المتمثلة في توسعة الحرمين الشريفين، وشق ورصف الطرق والأنفاق، وإقامة المظلات والجسور، وتوفير المواد الغذائية والمياه المبردة والخدمات الطبية المتميزة في كافة أحياء مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، وجندت نفسها وإداراتها وأجهزتها ووزاراتها وهيئاتها المختلفة لخدمة الحجاج وأمنهم وراحتهم، فاستحقت عن جدارة هذا الشرف الذي حباها الله به، وهذه المنّة العظيمة خدمة بيت الله الحرام وحجاجه وعماره وزواره ومسجد نبي هذه الأمة صلى الله عليه وسلم وزواره.
يوم عرفة هذا العام سيكون موازياً ليوم الجمعة، ويجتمع بذلك الفضلان فضل الدعاء، مغبون بل محروم من فوّت هذا اليوم باللهو وبما لا يعود عليه بالنفع، ففي الحديث «خير الدعاء يوم عرفة»، وفي حديث آخر: «إن في الجمعة ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئاً إلا أتاه الله إياه وهي ساعة بعد العصر».
أبارك لكل الحجاج من أقطار المعمورة هذا الفوز بالحج، وهذه النعمة الغالية، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله حجاً مبروراً على الجميع، وأن يجزي القيادة الرشيدة خير الجزاء نظير جهودها التي بذلتها في خدمة الحجاج، وكل عام وقيادتنا الرشيدة والأسرة المالكة الكريمة وحجاج بيت الله الحرام بخير وصحة وعافية.