م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1- مهمة التنوير هي حث العقل على مراجعة اليقينيات والمُسَلّمات التي تربينا على الالتزام بها دون أن نكلف أنفسنا عناء التفكير فيها أو مناقشتها، سواء على المستوى العملي أو الفكري أو العادات والتقاليد.. فالالتزام بأشياء دون وعي لا يزيد على أن يكون مثل الوقوع أسيراً لعدو أو لعادة أو إدمان.. والأسر في كل حالاته مضر بل مدمر.. خصوصاً إذا كان ذلك الأسر للمجتمع بكليته.. بالذات حينما يقع المجتمع أسيراً بإرادته ودون وعي منه.. فالانعتاق من الأسر لا يحتاج إلى أكثر من الوعي.. والوعي لا يتم إلا بالتنوير.
2- الوقوع أسرى للوثوق المطلق بأمر ما يحوّل ذلك الموثوق به إلى أمر مقدس لا يُمَس.. وأي تفكير في مدى منطقيته يُعَرّض الشخص إلى الاتهام، وربما الحرب من الآخرين المؤمنين بذلك الأمر حتى ولو لم يكن أمراً دينياً مُنَزَّلاً.. وهذا أدى بنا نحن العرب إلى الجمود الذي نعاني منه اليوم وسط عالم يغلي ويموج ويُنتج الأفكار الكبرى ويتحرك إلى الأمام.. حتى لو كان في ذلك إلغاء للسائد والمعتاد من خلال المساءلة والتفكيك وإعادة البناء.. فلا قداسة لموروث إذا كان سيقف عائقاً أمام التقدم والتمدن والحداثة.
3- العقل التراثي الذي حكم العرب لقرون، ثم أتت بعده الانقلابات العسكرية التي أظهرت الاستبداد السياسي الذي لم يعرفه العرب إبَّان الاستعمار.. ثم بروز ظاهرة التشدد الديني الذي فرّغ الدين من محتواه الروحي، وحَوّله إلى تعاليم توجيهية.. هذه كلها إشكالات أعاقت العرب، وجعلتهم من دول العالم المتأخرة رغم حضارتهم التي أنارت العالم في وقت ما.. لكن هذا لم ينفعهم بل جعل أهلها يلجؤون إلى جَلد الذات عوضاً عن التشمير عن سواعدهم والعمل للمستقبل.
4- دخل الإنسان العربي القرن الحادي والعشرين وهو مثقل بالجهل والأمية والتسلط والحروب الأهلية والثارات القديمة وكل أثقال القرون الماضية.. بلاده مجزأة إلى أقطار، ومجتمعه صار مقسماً إلى مجتمعات متفرقة متباغضة، وأهواؤه مشتتة متنافرة، ورؤيته تائهة غائمة.. عداؤه لأخيه العربي عداء مستحكم لا لشيء سوى لأنه تم توجيهه أن يكره أخاه.. ولا يجرؤ أن يستخدم عقله، فقد تربى على أن استخدام العقل إثمٌ كبيرٌ.. وهو وقد أيقن أنه فقد دنياه لا يريد أن يفقد آخرته باستخدام عقله!
5- الإنسان العربي وسط مواجهته للعنف السياسي والتعصب الديني لا يستطيع أن يواجه نفسه لأنه بكل بساطة لا يجرؤ، ولأنه ببساطة أكثر لا يعرف كيف يستخدم عقله.. فهذا الجزء من جسده معطّل فلم يسبق له أن استخدمه في حياته.. في ظل كل هذه المعطيات نتساءل: متى سوف يستيقظ الإنسان العربي؟ وماذا يحتاج حتى يستيقظ؟ وكيف نوقظ هذا الإنسان العربي؟
6- لم تنهض أوروبا لأسباب الجغرافيا أو التاريخ ولا بسبب العقلية والتربية.. فقد غرقت المجتمعات الأوروبية أكثر من ألف عام في الظلام رغم وجود الفلسفة الإغريقية التي أنارت الفكر البشري.. أوروبا بدأت نهضتها مع مطلع القرن السابع عشر، وكان لفعل التنوير الدور الحاسم في إيقاظ المجتمع الأوروبي بأكمله.