الهادي التليلي
على غرار معظم المدن التونسية ومن بينها جزيرة قرقنة الموطن الأصلي لأسرة خالد القرقني مستشار الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود التي انتقلت إلى ليبيا هربا من الفقر والخصاصة ليصبح بعدها الرجل الثاني للمقاومة الليبية بعد عمر المختار، وبعد أن فر إلى تركيا وسافر إلى جدة التقى الملك المؤسس فقربه منه.
إضافة إلى جزيرة قرقنة تأتي مدينة فريانة إحدى أعرق المدن التونسية والمعروفة بكونها من عواصم تحفيظ القرآن لا في تونس فحسب وإنما في مختلف أرجاء المغرب العربي، هذه المدينة التي جاءت تسميتها بفريانة نسبة لآل فريان الذين قدموا إليها من نجد وأسسوا فيها مدرسة لتحفيظ القرآن تعد فريدة من نوعها مقارنة بما هو موجود في كامل التراب التونسي
مدينة فريانة التي حدثني عنها بكثير من العمق الدكتور عبدالعزيز بن محمد الفريان وعن قصة تأسيس مدرسة تحفيظ القرآن بهذه المنطقة الجميلة التي تقع في موقع إستراتيجي في منطقة التماس بين تونس والجزائر في وسط طبيعي تغلب عليه التلال والجبال علما بأن مدرسة تحفيظ القرآن بفريانة تعتبر الثانية من حيث القيمة والمكانة بعد جامع الزيتونة المعمور.
منطقة فريانة التي يقطنها أيضاً أحفاد سيدنا عثمان بن عفان الذين قدموا بعد سقوط غرناطة في سياق تاريخي معلوم تعتبر من أكثر المناطق محافظة على أصالتها وتراثها وتعتبر مكتبتها فريدة ومختلفة، ويروى أنه وبرغم من حرص الجهات الرسمية على الحصول على المخطوطات النادرة الأصلية مقابل الإبقاء على نسخ إلا أن الأهالي رفضوا رفضاً قطعياً اعتزازا بالكنز المعرفي الذي توارثوه هذا، ولم يكتف أهل هذه المدينة بالمحافظة على هذا الإرث الممتد بل انتشر أبناؤها في مختلف المدن ولعل وجود الشيخ الفرياني بمدينة صفاقس وما يروى عن علمه وطريقته المخصوصة في قراءة القرآن حتى أن أحد أهم أن نهج المدينة العتيقة لمحافظة صفاقس أطلق عليه نهج الشيخ الفرياني.
في الحقيقة التثاقف بين أرض الحرمين وشقيقتها تونس الذي بدأ حتى قبل فتح أفريقية عن طريق عقبة بن نافع وتأسيس القيروان يتواصل في مختلف اللحظات التاريخية ولعل الوقفات التاريخية لقيادة المملكة تجاه بلدهم الثاني تونس خلال أزمة كورونا يبقى درساً يسجل في ذاكرة وتاريخ الأجيال.
مدينة فريانة وقصة آل فريان وتأسيس مدرسة تحفيظ للقرآن ما تزال شامخة ورائدة في المجال يعطي الدليل على أن العلم بلا حدود حتى قبل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والوسائط الحديثة من خلال التواصل المباشر قطعا لآلاف الكيلومترات برا إنها ملحمة يحملها التاريخ بين جنباته وتسجله الذاكرة الجمعية كثقافة متأسسة على الحفاظ على صفاء النص القرآني وتلك ميزة وحدة التاريخ.