علي الخزيم
في عقود من الزمان مضت على سكان المملكة كانت تكاليف الحياة بسيطة إلى حد ما، وكانت مراسم الاحتفالات بالزواج والنجاح وما ماثلها غير مُعقَّدة وتستطيعها الأغلبية والكل مُقتنع بما يتم من تقديم الطعام والمشروبات وما يُقدَّم للمُحتَفَى به من هدية رمزية مُبَسَّطة دون تكلفة، وبالعقود الأخيرة أخذ الناس يتململون من تكاليف الاحتفالات والهدايا؛ ليس بخلاً أصابهم ولا طباعهم قد تغيَّرت، هم ذاتهم أبناء وأحفاد ذاك الجيل الطيّب، إنما الذي تغيَّر هو نمط الحياة وابتكار الإنسان لمراسم احتفالية أرهقت ميزانيته وأقلقت منامه، وهنا الحديث عن متوسطي الحال وما دونهم، أمَّا ميسور الحال فالدعاء له بالمزيد والبركة وليحتفل كما يريد غير أنه مُلزم بمراعاة أنفس ومشاعر الآخرين؛ وتقييد النعم بالشكر وعدم الإسراف، فليس من المروءة تعمُّد الاستعراض بالصرف الباذخ أمام أنظار من يفقدون القدرة المالية مِمَّن يجاهدون لتوفير الضروريات، والكبار منهم لا يتألمون لأنفسهم إنما رأفة بصغارهم من أن يشعروا بالدونية والقصور أمامهم وهم بعمر لا يؤهلهم لتقييم الأمور والمواقف فتضيق نفوسهم وتنخدش مشاعرهم وقد ينعكس لشعور غير متوقع منهم، يضاف لذلك أن متطلبات الأجيال الحديثة قد تنوَّعت وتشعَّبت كتوفير الأجهزة الإلكترونية المحمولة وما يتبعها من مصاريف تشغيلها وفواتيرها، وباتت مما لا بد منه من الضروريات وليس الكماليات، كما أن جودة الحياة التي نعيشها - ولله الحمد - بمملكتنا الحبيبة جعلت تكاليف الحياة تزداد نوعاً ما؛ وهذا ممكن تجاوزه باتباع سلوك مُعتدل بالمصروفات وبالتركيز على الضروري وترك ما لا يلزم.
من تجربة ناجحة وجدت أنه من الممكن أن نعيش مع الصغار فرحة النجاح والمشاركة فيه بأقل التكاليف ودون شعورهم بالحرمان من الهدية ومتعة الألعاب والفسحة، وذلكم بتنويع طريقة الاحتفالية وشموليتها لرغبات الأطفال وما يبعث فيهم الجَذَل والحبور؛ والتشجيع على مواصلة النجاح بالمراحل القادمة، ولندرك أن الطفل (غالباً) لا يُقَيّم أسعار الهدايا فالمهم عنده أن يحصل عليها، وأن نصحبه لممارسة اللهو واللعب بالحديقة أو بمحل لألعاب الأطفال، ومرة تقف بهم عند بائع الحلويات أو المثلجات ونحوها، فهذه مِتَع متنوعة ومُبسطة تُسعد الأطفال ولا ترهق جيوب الكبار كثيراً، وأدعو لاعتماد سلوك تربوي أراه ضرورياً وهاماً لتنمية عقول الصغار وتعويدهم على الجد والعمل والمثابرة لتحقيق المزيد من التفوّق بدراستهم وكافة أمور حياتهم؛ وذلكم بإشعارهم بأهمية الشكر والتقدير والعرفان لمن سهروا على تيسير أمورهم ورعايتهم ومتابعة مذاكرتهم حتى تحقق لهم النجاح سواء من الوالدين أو الإخوة الأكبر منهم، وألَّا تغلبهم القناعة بأن ما نقدمه لهم هو بالضرورة ثمن للنجاح المرحلي، وأن يدركوا أن ثمار النجاح تعود لهم؛ وما نحن إلَّا مساعدين لهم لإدراكه، وأن عليهم تقدير هذا الجهد وتثمينه، وألَّا يشعروا يوماً أنهم يمُنُّون علينا بنجاحهم ويشترطون علينا الهدايا والأعطيات، وحبذا لو طالبناهم لتكريس هذا المفهوم بأن يحتفلوا بنا بعد نجاحهم لقاء الجهود المبذولة من طرف الأهل لتحقيق هذا النجاح، هي جملة أفكار أراها جديرة بالتأمل نحو سلوك تربوي أفضل للأجيال.