إيمان حمود الشمري
لو عدنا للوراء لما يقارب الأربعين عاماً فأكثر لوجدنا أن المواطن كان يصف الأسعار بكلمة (غالي نار) هذي الكلمة يكاد لا يخلو زمن أو عهد دون أن يرددها المواطن، دائماً لديه شكوى من سعر السلع وأنها تفوق قدرته الشرائية وتشكل عبئاً كبيراً بالمصاريف عليه، لم يحدث أن تصالح المواطن مع سعر السلعة على مر الأزمنة، دائماً لديه شعور بأنه مستغل!!
هذا المقال ليس للاستفزاز ولا للفت النظر ولا للتطبيل، وإنما لطرح قضية بصفة موضوعية تصف علاقة الظروف المؤثرة على ارتفاع سعر السلعة.
نظرية المؤامرة على المواطن وأن هناك دائماً من يسند له دور الضحية على اعتبار أنه الحلقة الأضعف وصوته غير مسموع، ليست بالضرورة أن تكون صحيحة تماماً، فهناك عوامل وظروف سياسية واقتصادية تؤثر على سعر السلعة وتضطر حتى التاجر لرفع السعر بناءً على ارتفاع التكلفة، وبالتأكيد الأمر لا يخلو من التلاعب من بعض التجار أحياناً بالمبالغة برفع الأسعار ولكن لا يمكن أن نعتبرهم السبب الرئيسي لارتفاع الأسعار.
على افتراض أننا سنركز في هذا المقال على منظومة الأمن الغذائي في المملكة، إذ تتنوع بين قطاع الأعلاف، زراعة القمح والخضار، إنتاج الألبان، الثروة السمكية وغيرها ..، سيظل المواطن محتقناً طالما أنه لا يملك الوعي الكافي بأسباب ارتفاع الأسعار وتهميش دور الظروف السياسية والاقتصادية في ظل قيادة تحكم بيد من حديد وتكافح الفساد والطمع والاستغلال دون أي اعتبار للألقاب والمسميات، لا يمكن أن ننكر التحديات التي تواجه الأمن الغذائي والتي تسعى المملكة لتطوير قطاعاته وتعزيز إمداداته واستدامته، إذ لا يمكن أن نصل لمرحلة الاكتفاء الذاتي فيما يخص الأمن الغذائي لأنه لا يوجد دولة مهما كانت قدرتها، تستطيع أن تغطي الجوانب الإنتاجية لعدة عوامل مثل: (الأجواء، ندرة المياه ...إلخ)، ولكن الممكن هو تجنب الأزمات الغذائية، وهذا ما فعلته المملكة من خلال اتجاهها للاستيراد إضافةً إلى المحافظة على الموارد وتفعيل خطط الطوارئ التي أثبتت جدواها في الأزمات السياسية، إذ يوجد في المملكة قدرات تخزينية هائلة بالإضافة للبنية التحتية (الموانئ) والاستثمارات في القطاع الخاص، لذا حافظت المملكة على استقرارها ولم تعش أي أزمات تجاه ذلك.
ينظر المواطن لسعر السلعة من زاويته الخاصة، ويتخطى جهلاً لا قصداً العقبات التي تمر بها الدولة لتأمين حياة كريمة للمواطن وينسى أن تبعات الأزمات كأزمة كورونا سوف تؤثر على أسعار الشحن والتأمين، وأن الحرب الروسية الأوكرانية لها تبعات في ارتفاع التكاليف والإمدادات وغيرها، وأن بعض الدول اتجهت لتقييد التصدير، وارتفاع أسعار الأسمدة والنفط، وأن مهمة الوطن لا تقتصر على توفير الغذاء فقط وإنما استدامته !!
شعورك بالاستقرار يتطلب ضريبة، فدورك ليس انهزامياً ولا استسلامياً، وإنما بتقدير ما تبذله الدولة من جهود من أجلك، وتعتبر أزمة كورونا أكبر دليل واعتراف بقدرة المملكة على التعامل مع الأزمات وضبط إدارتها، إذ لم تسُد الفوضى ولم ينم الناس في الشوارع كما حدث في بعض الدول الكبرى.
عزيزي المواطن .. قبل أن تتذمر من سعر السلعة أنه غالٍ ضع باعتبارك.. أن الوطن أيضاً غالٍ.